افتتحت اعمال مؤتمر ومعرض الأمن الغذائي العربي 2023 "الصناعات الغذائية ودورها في تحقيق الامن الغذائي العربي"، الذي عقد على مدى يومي 2-3 تشرين الأول (أكتوبر) تحت رعاية ملك المغرب محمد بن الحسن السادس في مدينة مراكش- المملكة المغربية، وبحضور الرئيس المنتدب لدى رئيس الحكومة والمكلف بالعلاقات مع البرلمان والناطق الرسمي باسم الحكومة السيد مصطفى بايتاس، ووزير الصناعة والتجارة رياض مزور، ورئيس اتحاد الغرف العربية سمير عبدالله ناس، ورئيس جامعة الغرف المغربية للتجارة والصناعة والخدمات الحسين عليوي، بالإضافة الى وفود من 13 دول عربية واجنبية.
واعتبر رئيس اتحاد الغرف العربية، رئيس غرفة تجارة وصناعة البحرين، سمير عبد الله ناس، خلال كلمة له في افتتاح أعمال المؤتمر، أنّه "على الرغم من الكارثة التي ضربت المغرب بشكل عام ومدينة مراكش بشكل خاص، إلا أنّه لا يمكننا أن نغفل أو نتغاضى عن واقع النهضة التنموية والاقتصادية التي تشهدها المملكة المغربية، وما أحرزته من تقدم كبير في المجالات الزراعية وخاصة الغذائية منها حيث تمتاز المملكة المغربية بمقومات هامة في الزراعة والثروة الحيوانية والسمكية والتصنيع الغذائي بفضل تربتها الزراعية الخصبة وقاعدتها الصناعية المتطورة وموقعها الاستراتيجي وشبكة مواصلاتها المتطورة، مما يؤهلها للعب دور هام في تنويع الإنتاج والتسويق، فضلا عن أهميتها كمحور لوجستي أساسي للتصنيع والتصدير على المستويين العربي والأجنبي."
وقال: "يأتي انعقاد مؤتمرنا اليوم في ظل تحديات مصيرية تواجهها بلداننا العربية، إلى جانب ما يواجهه العالم بأسره والعالم العربي من تحديات في الأمن الغذائي بسبب اثار جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا والتغير المناخي، ما أدى إلى تدهور مستويات الأمن الغذائي العالمي. إذ تشير آخر الاحصائيات أن هناك 868 مليون شخص لا يملكون ما يكفيهم من الغذاء، فيما تم اعتبار 25 دولة حول العالم في أوضاع متدهورة وشديدة الخطورة. بينما يعتبر سكان الدول النامية من الأكثر معاناة من ارتفاع أسعار الغذاء، خصوصا في إفريقيا والعالم العربي، حيث قسم كبير من الدخل ينفق على الأغذية".
واعتبر أنّ "التغيرات المناخية في العالم تنذر بأن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتعرض لتغيرات كبرى في معدلات هطول الأمطار، مما أدى إلى ندرة الموارد المائية المتاحة، وهذا الأمر يترك أثرا على القطاع الزراعي وإنتاج الغذاء، وفقا لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة FAO. وأمام هذا الواقع فإنّه لا بدّ على البلدان العربية سرعة تدارك خطورة الأزمة ومدى أهمية تحقيق الأمن الغذائي بمختلف أبعاده ومكوناته، من خلال وضع الخطط والاستراتيجيات على المديين القريب والبعيد. فعلى المدى القريب لا بدّ على البلدان العربية تنويع مصادر الحصول على السلع والمواد الغذائية، وترشيد الاستهلاك، وتوفير مخزون استراتيجي لأوقات الأزمات. أما على المدى البعيد فعلى البلدان العربية إعادة دعم الاستثمار في قطاع الإنتاج الزراعي، وتقديم الدعم إلى مجال البحث العلمي في هذا القطاع. كما المطلوب من قادة البلدان العربية إعادة ترتيب الأوراق والنظر في السياسات الحالية والمستقبلية لإدراج مفهوم الأمن الغذائي في الاستراتيجيات الأمنية بوصفه أحد مكونات الأمن القومي التي لا تقل أهمية عن كل مكونات الأمن القومي من أمنية، وعسكرية، واقتصادية. فضلا عن ذلك يجب على البلدان العربية دعم سُبل البحث العلمي في مجال إنتاج الغذاء، وإعداد الدراسات المستقبلية لمواكبة التطور العلمي لتعزيز دور التكنولوجيا في تحقيق الأمن الغذائي عبر تعزيز واقع الزراعة الذكية، وتدريب الكوادر البشرية العاملة في مجال الزراعة وإنتاج الغذاء لاستخدام أحدث الطرق والآليات في عملية الإنتاج".
من جهته دعا أمين عام اتحاد الغرف العربية، الدكتور خالد حنفي، الذي ألقى رسالة المؤتمر، إلى "إنشاء بورصة عربية سلعية وإنشاء صندوق عربي للأزمات للمساعدة في مواجهة الأعباء المترتبة عن تلك الأزمات، مع ضرورة إقامة البرنامج العربي للغذاء لمساعدة ضحايا الكوارث والأزمات الغذائية الطارئة وخاصة في الدول العربية الأكثر تضررًا. وكذلك تعزيز شبكات الأمن الغذائي والاحتياجات من السلع الغذائية الأساسية. إلى جانب إنشاء منصة عربية لطلبات وعروض المنتجات الزراعية".
وتحدث الدكتور خالد حنفي عن التحديات الكبيرة التي يواجهها عالمنا العربي في موضوع الأمن الغذائي "حيث ارتفع الجوع بنسبة 90 في المئة، كما أن هناك 141 مليونا يعانون من انعدام الغذاء المعتدل أو الشديد ويمثلون تقريبا ثلث سكان المنطقة العربية. في حين تستورد الدول العربية 55 في المئة من احتياجاتها الأساسية من المواد الغذائية بفاتورة بلغت نحو 61 مليار دولار عام 2020، وهناك إحصاءات تشير إلى أنّه من المتوقّع أن تصل فاتورة استيراد الغذاء في المنطقة إلى 90 مليار دولار بحلول السنوات الـ 10 القادمة".
وتابع: "تعيش البلدان العربية هذا الواقع الصعب رغم أن مساحة أراضيها الصالحة للزراعة تقدر بنحو 220 مليون هكتار، يتم استغلال ثلثها فقط. ومع أن العالم العربي يستحوذ على نحو 25 في المئة من إنتاج الحبوب العالمي، فإنه لا ينتج إلا 2.5 في المئة. أضف إلى كل ذلك فإنّ المساحة المقدرة للزراعة في العالم العربي لا تتجاوز نسبة 30.5 في المئة، والتي تعادل المساحة الكلية لدول تصنف معظمها ضمن أكبر 15 بلدا مصدرا للقمح في العالم مثل أوكرانيا ورومانيا. كما أن متوسط الإنتاج الزراعي العربي يمثل نحو 4 في المئة فقط من الإنتاج العالمي".
ورأى أنّ "التصحّر في المنطقة العربية لم يعد مجرد ظاهرة بيئية عابرة، بل أصبح خطرا يهدد بابتلاع دول عربية بأكملها، حيث نحو 35.7 مليون هكتار من الأراضي الزراعية العربية، أي ما يعادل 18 في المئة من مجموع المساحة الصالحة للزراعة، واقعا تحت تأثير التصحر، خاصة في المناطق المحاذية للصحراء الأفريقية الكبرى. ويؤكد الواقع الذي تعيشه المنطقة أن 68.4 في المئة من أراضيها متصحّرة، و20 في المئة منها مهددة بالتصحر، بينما لا تتعدى الأراضي غير المتصحرة 11.6 في المئة من إجمالي مساحتها". ورأى أنّ "هناك ضرورة لتطوير وتعزيز التجارة البينية العربية للسلع الزراعية لتقليل الاستيراد من الخارج، وتعزيز التعاون بين الدول العربية المصدرة للغذاء، مع بلورة آليات مبتكرة لتقديم نموذج مبسط للعمل التكاملي العربي في مجال الأمن الغذائي العربي".
وشدد على أنه "ينبغي تطوير التشريعات في المجال الزراعي لضمان توفير المدخلات واقتناء التقنيات الحديثة، وعمل التسهيلات اللازمة لضخ المزيد من الاستثمارات العربية للمشاريع الزراعية التي تهدف إلى تحقيق الأمن الغذائي، والاستفادة من مزايا منطقة التجارة الحرة العربية لإقامة المشاريع الزراعية المشتركة التي تهدف إلى تصدير السلع الغذائية في ما بين الدول العربية".
وقال: "يجب تحسين مناخ الاستثمار الزراعي في الدول العربية من خلال تشجيع القطاع الخاص والعام على الاستثمار فيه، مع أهمية تبني مجموعة من السياسات التجارية للعمل على ترقية التجارة البينية العربية للسلع الغذائية. وتبسيط إجراءات استيراد الغذاء سواء على مستوى تخفيف القيود الإدارية والجمركية وتسهيل التحويلات المصرفية ومراقبة الأسواق ووضع سقف سعري للسلع الغذائية الرئيسية لحماية الطبقات الهشة والتأكد من وصول الغذاء لها".
واعتبر أنّ "هناك ضرورة بتبني برامج خاصة لدعم القطاع الزراعي لاسيما صغار المنتجين، وأخرى إرشادية لمواجهة هدر الغذاء، وكذلك تطوير الإنتاج الزراعي العربي والتحول إلى الحديث بدلاً من التقليدي وذلك بإدخال الوسائل التقنية الحديثة وخاصة الزراعة الذكية، مع ضرورة الاهتمام بالدراسات والبحث العلمي التقني في مختلف المجالات وخاصة القطاع الزراعي، مع الاستفادة من مخرجات البحوث والدراسات العلمية لتحسين وتوفير وزيادة إنتاج المنتجات الزراعية الأساسية".
وحثّ أمين عام الاتحاد الحكومات في الدول العربية على تنفيذ مشاريع البنى التحتية التي تخدم القطاع الزراعي مع أهمية تعاون الدول العربية في إنشاء نظام تبادل المعرفة الإلكتروني والابتكارات الزراعية بهدف تسهيل التعاون والتعامل في مثل هذه الأزمات وتطوير أداء القطاع الزراعي.
من ناحيته، أكد الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان، الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، أنّ "المملكة المغربية تولي اهتماما خاصا للقطاع الفلاحي وبدوره المركزي في تحقيق الأمن الغذائي"، لافتا إلى أنّ "هذا الاهتمام يأتي من منطلق النظرة الاستباقية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، لما لهذا القطاع من دور مركزي في تحقيق الأمن الغذائي وتثبيت الاستقرار الاجتماعي وترسيخ السيادة الوطنية"، مؤكدا أنّ "توفير الغذاء يشكل إحدى الانشغالات الأساسية التي يجب أن ينبني عليها كل نموذج تنموي يسعى إلى الاستجابة الفعلية لمتطلبات المواطنين"، مشيرا في هذا الصدد إلى "اعتماد المملكة لمخطط المغرب الأخضر ومخطط الجيل الأخضر كاستراتيجيات فلاحية طموحة وآليات ناجحة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية والبشرية المستدامة".
وشدد الوزير بايتاس على أنّ "أي سياسة فلاحية تستهدف تحقيق الوفرة الغذائية والأمن الغذائي تظل رهينة بوجود بيئة مشجعة على الاستثمار في القطاع الفلاحي، مذكرا في هذا السياق بالميثاق الجديد للاستثمار الذي يروم تشجيع وتنمية الاستثمار وتوجيهه نحو قطاعات الأنشطة ذات الأولوية"، معتبرا أن "الاستثمارات المرتبطة بتحقيق الأمن الطاقي والغذائي والمائي والصحي تقع في صلب هذا الميثاق، إذ يشكل هذا النوع من الاستثمارات أحد الغايات التي يستهدفها نظام الدعم الاستراتيجي الذي يعتبر أحد ركائز مربع دعم الاستثمار"، مشيرا إلى أنّ "قيمة الأمن والسيادة الغذائية ظهرت بكل وضوح خلال الظرفية العالمية التي لازمت جائحة "كورونا" والتغيرات المناخية والتوترات العالمية الراهنة، إذ تبين أن توفير الغذاء لا يعد مجرد نشاط اقتصادي منتج للقيمة المضافة أو محركا للتنمية البشرية بل جزء لا يتجزأ من السيادة الوطنية".
ودعا وزير التجارة والصناعة المغربي، رياض مزور، إلى "ضرورة خلق التكامل التجاري بين الدول العربية، حيث أنّ الاندماج التجاري العربي يستوجب جوانب مؤسسة أبرزها خلق التقارب على مستوى المعايير"، لافتا إلى أنّه "من الضروري العمل المشترك على ضبط الأسعار وبحث سبل الاستثمار والتعاون المشترك لتحقيق المرونة اللازمة على مستوى سلاسل التوزيع بالمنطقة، وكذا تقوية الابتكار والبحث العلمي"، مشددا على "أهمية تقارب سلاسل التوزيع والتعاون في الصناعة والتحويل"، داعيا إلى "العمل معا للخروج بخلاصات ومقترحات ملموسة تهم مجالات التعاون لتعزيز الأمن والسيادة الغذائيين في الوطن العربي".
وأكد رئيس جامعة الغرف المغربية للتجارة والصناعة والخدمات الحسين عليوي، أنّ "الأمن الغذائي يعتبر من أكبر التحديات التي تواجه الوطن العربي"، مبرزا أنّه "على الرغم من توفر كافة العوامل التي تتيح البلدان العربية تحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي سواء الطبيعية منها والبشرية إلا أنها مازالت تعاني نقصا في إنتاج الغذاء".
وأضاف عليوي أنّ "تحقيق الأمن الغذائي يستلزم بالضرورة تنمية الزراعة والارتقاء بالقطاع الزراعي والصناعات الغذائية"، مشيرا إلى أنّ "المملكة المغربية تولي قطاع الصناعة الغذائية أهمية كبيرة، باعتباره من أهم القطاعات الرئيسية للصناعات الوطنية وركيزة أساسية للاقتصاد الوطني، ويشغّل أكثر من 150 ألف شخص بنسبة 25 في المائة من عدد العاملين في المجال الصناعي، ويمثل 15 في المائة من رقم المعاملات الخاص بالتصدير في الميدان الصناعي".
وأوضح أنّ "قطاع الصناعة الغذائية بالمملكة، سجل تطورا ملحوظا في إطار البرنامج التعاقدي 2017-2021، حيث تعمل الحكومة من خلال مخطط الجيل الأخضر 2020- 2030 على إعادة هيكلة القطاع وتعزيزه، مما أدى إلى انبثاق تخصصات جديدة ذات قيمة مضافة عالية، وهو ما مكن القطاع من لعب دور حيوي الاستجابة السريعة لمواجهة جائحة "كوفيد 19" بمساهمته في ضمان الأمن الغذائي في مختلف ربوع المملكة".
وخلص إلى أنّه "على الرغم من التطور الذي عرفه قطاع الصناعة الغذائية بالمغرب خلال السنوات الأخيرة، فإن القطاع لازال يواجه عدة تحديات ورهانات من أبرزها تعزيز السيادة الصناعية للمملكة، وتقوية الإسهام في تحسين مستوى الأمن الغذائي والتي تعتبر من أبرز التوجهات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس في هذا المجال".
من جانبه أوضح الرئيس الفخري لمجلس أمناء المركز العربي الدولي لريادة الاعمال والاستثمار التابع لمنظمة الامم المتحدة للتنمية الصناعية، الشيخ إبراهيم بن خليفة آل خليفة، أنّ "المنطقة العربية تواجه تحديات هيكلية متعددة تتصل بالأمن الغذائي والتغذية أهمها: محدودية الأراضي والموارد المائية مما يجعلها تعتمد بشكل كبير على استيراد السلع الأساسية دولياً بنسبة تصل الى خمسين بالمئة من احتياجاتها الغذائية، وقد أدت هذا الاعتماد على الواردات إلى جعل المنطقة عرضة لصدمات أهمها جائحة كوفيد- 19 والأزمة في أوكرانيا مما أدى الى الانقطاع المفاجئ لسلاسل التوريد والإمدادات. إضافة إلى ذلك فإنّ 52 في المئة من إجمالي السكان في المنطقة العربية غير قادرين على تحمل تكلفة اتباع نمط غذائي صحي، مما يشير إلى أنّ المنطقة ليست على المسار الصحيح لتحقيق هدف التنمية المستدامة الثاني المتمثل بالقضاء على الجوع، لذلك لا بد من العمل على اربعة محاور أساسية".
ودعا إلى "الاستثمار في الزراعة المستدامة والذكية والاستفادة من التقدم التكنولوجي في مجالات الذكاء الاصطناعي والطائرات بدون طيار. إضافة إلى تبني الآليات الحديثة في إدارة المياه وصقل مقدرات المزارعين عن كيفية مواجهة التصحر. فضلا عن العمل الجاد لتحقيق التكامل الاقتصادي والزراعي مع القارة الأفريقية. كما لا بدّ من إيجاد صناديق استثمارية عربية لتمويل الابتكارات في المجال الزراعي وتمويل رواد الاعمال المزارعين خاصة للمشروعات ذات القيمة المضافة العالية".
المصدر (اتحاد الغرف العربية)