يتناول هذا البحث تطورات حركة الاستثمارات الدولية الخارجية المباشرة ومستجداتها المتنوعة والمتشعبة في العالم وفي الدول العربية في إطار التجاذبات الدولية الجديدة وتطورات الثورة الرقمية وما يليها، كما يحلل مدى استعداد العالم العربي لمواكبة أولوياته التنموية الاستثمارية ضمن البيئة الاقتصادية والتكنولوجية الجديدة.

والعالم العربي يواجه حاليا مجموعة من التحديات التي يأتي في طليعتها الاضطرابات الجيوسياسية البالغة الصعوبة التي تمر بها عدة دول عربية منذ عدة سنوات، إلى جانب التحديات التنموية والتغيرات المناخية التي بدأت تأثيراتها تتفاعل في الاقتصادات العربية ومن المتوقع أن تتزايد في المستقبل، فضلا عن التغيرات على الساحة الاقتصادية الدولية وبروز الاتجاهات المعاكسة للعولمة، والعناصر الجديدة في الأسواق الاستثمارية الدولية التي أضافتها الثورة الرقمية وما تلاها، والتي أصبحت عناوين رئيسية في الاقتصادات المتقدمة.

وسيناقش البحث العناصر والسياسات التي ينبغي انتهاجها للانسجام مع متطلبات الحداثة والمستجدات في البيئة الاقتصادية والتكنولوجية العالمية، بما فيه تعزيز دور القطاع الخاص في الاقتصاد، وإعادة توجيه الحوافز الاستثمارية لخدمة الأهداف التنموية الجديدة، وتحديث المناطق الاقتصادية الحرة لتتماشى مع متطلبات المشروعات الجديدة، وتوفير أدوات عصرية لترويج الاستثمار وتسهيل الإجراءات الاستثمارية، واستحداث آليات ومؤسسات جديدة مجهزة ومؤهلة ومرنة ومعززة بالكفاءات والقدرات وتستجيب للمتطلبات الجديدة للمستثمرين.

وتجاه كل ذلك، سيكون على الدول العربية أن تعيد حساباتها للتأقلم مع متطلبات البيئة الاستثمارية الجديدة، حيث لم يعد وجود العمالة الرخيصة عاملا حاسما في القرارات الاستثمارية، ولا سيما مع تزايد الرقمية والأتمتة في مختلف النشاطات الاقتصادية. وهناك حاجة إلى بذل جهود أكبر في سبيل إصلاح وتأهيل وتطوير البيئة الاستثمارية لتتلاءم مع تطلعات الأجيال الشابة ومتطلبات الاقتصاد الحديث، من حيث توفير أفضل الظروف للمستثمرين التقليديين والجدد لكي يستطيعوا إنتاج سلع عالية الجودة في إطار نظم إنتاج مرنة ومبتكرة وبالسرعة والكفاءة المطلوبين، وبما ينعكس بفعالية على كل من التنافسية الاقتصادية، والقدرة على التشابك لقطف ثمار التكنولوجيات الناشئة، وحرية التجارة، وبيئة الأعمال، وشمولية التنمية، ونوعية الحياة.