ايار وحزيران (مايو ويونيو) 2024

  • 1 مايو - 30 يونيو 2024

المشهد الاقتصادي العالمي أمام المتغيّرات السياسية؟!

 

أفرزت الانتخابات التي شهدتها القارة الأوروبية في الفترة الماضية، تغييرا ليس مفاجئا ولكن جوهريا في المشهد السياسي، حيث فاز "اليمين المتطرّف" بالأغلبية الساحقة داخل البرلمان الأوروبي، ما دفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الإعلان عن إقالة البرلمان والتمهيد لانتخابات برلمانية مبكرة. وقد أثّر هذا القرار معطوفا على متغيرات المشهد السياسي على واقع الاقتصاد الفرنسي والأوروبي بشكل عام، وهذا سيُشكل تحدّياً أمام الاقتصاد العالمي، إذ إن حالة عدم اليقين بشأن الانتخابات وتداعياتها السياسية يمكن أن تشكل عائقاً أمام النمو الاقتصادي العالمي، الذي سيشهد تباطؤاً في عام 2024، حسب توقعات البنك الدولي ليصل إلى 2.6 في المئة مع احتمال حدوث ركود معتدل في أوروبا والمملكة المتحدة.

ويظهر تقرير آفاق الاقتصاد العالمي أن الاقتصاد سيظل هشّاً عام 2024، إذ على الرغم من أنّ التضخم سيكون أقل من العام السابق، فإن نسبته ستبقى مرتفعة بشكل عام، أي ما زالت أعلى من هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2 في المئة. ومن المتوقع أن يصل معدل التضخم العالمي إلى 5.8% لعام 2024 مع عدم توقع وصول الاقتصادات الكبيرة إلى هدفها في انخفاض التضخم إلى نسبة 2% حتى عام 2025، وفي الوقت نفسه هناك توقعات بتضخم أقل من 3% في الاقتصادات المتقدمة. ومن المرتقب أن تشهد اقتصادات الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية تضخماً بنسبة 7.8 في المئة مقارنةً بعام 2023، إذ بلغ 8.5 في المئة. كما سيشهد بعض البلدان مثل الأرجنتين ومصر وغيرها معدلات تضخم تتجاوز 10 في المئة.

وتتزاحم الأحداث والانتخابات في عام 2024 في دول عدة على المسرح العالمي، وتتقاطع خيوط التغيير السياسي والاقتصادي لتشكل محطات رئيسية وتحولات ملحوظة في عديد من الدول تنعكس تأثيراتها بوضوح على الاقتصاد العالمي. فكيف ستُلقي هذه التغيرات بظلالها على الاقتصاد العالمي، وهل سيُعاد تشكيل الطابع العالمي للأسواق المالية والتجارة الدولية تحت وطأة هذه التحولات؟

أكثر من مليارَي شخص في أكثر من 70 دولة سيتوجهون إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في انتخابات مختلفة. وستكون انتخابات الولايات المتحدة والصين والهند في 2024 تأثيراتها على مستوى العالم. حيث من المتوقّع أن تشهد الولايات المتحدة نمواً اقتصادياً أبطأ إلى حدّ ما عن عام 2023، إذ كان معدل النمو 2.6 في المئة. ومن المتوقع أن يصل إلى 1.3 في عام 2024، ويقترب من 1.7 في المئة لعام 2025، فيما قد يصل معدل التضخم إلى أقل من 2.5 في المئة لعام 2024 بعد أن بلغ 3.7 في المئة لعام 2023، حسب بنك الاحتياطي الفيدرالي.

ومع تباطؤ نمو اقتصاد الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، الذي يُتَوَقّع أن ينخفض إلى نسبة 4.6 في المئة بعد أن كان 5 في المئة لعام 2023، وذلك بسبب استمرار الضعف في قطاع العقارات وضعف الطلب الخارجي، وأيضاً تصاعد التوترات بشأن تايوان، واستمرار أمريكا في الحدّ من قدرة الصين على الوصول إلى التكنولوجيات المتقدمة.. ستزداد حدة الحرب الباردة بين الطرفين. أما فيما يخص الهند فيُتوقع أن يصل نمو اقتصادها إلى 6.7% لعام 2024 بعد أن كان 6.3% لعام 2023، حسب بيانات صندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ويرى اقتصاديون أنه من المتوقع أن يظل النمو الاقتصادي في الهند قوياً، إذ تُعدّ آفاق الاقتصاد الهندي إيجابية ويمكن أن تحقق تقدماً ملحوظاً.

ولا شكّ أن ملامح التغيرات السياسية المرتقبة تفتح الباب لعديد من الأسئلة، مثل التغيرات في سياسات التجارة الخارجية والاستثمارات العابرة للحدود والتحديات المتوقعة. وفي هذا الجانب يتوقّع أن يكون للتغييرات في البيئة السياسية تأثير سلبي على توقعات النمو الاقتصادي العالمي، خصوصاً في ظل تنامي التوجه نحو التراجع والارتداد عن العولمة. حيث أنّ الاتجاه الشعبوي والانغلاقي الذي يتبناه كثير من الحكومات المنتخبة، خصوصاً ذات الاتجاه اليميني، يشكل عاملاً مؤثراً، لا سيّما في الدول الكبيرة مثل الولايات المتحدة والهند والصين واوروبا، إذ قد يتسبب انتخاب قادة يتبنون الاتجاه الانغلاقي في تقليل حركة التجارة العالمية والتأثير في توقعات النمو. أمام هذا المشهد المعقّد، تبدو التحولات الاقتصادية في عام 2024 واضحة، خصوصاً في موضوع العلاقات الصينية-الأمريكية، حيث أنّ محاربة الاستثمارات الصينية تسبب انكماشاً في العالم، في حين أنّ حرب غزة وغيرها من الاضطرابات والحروب في المنطقة ستسبب مشكلات في المُضيّ في طريق التجارة هذا عوضاً عن طريق الحرير الذي كانت الصين تحاول الترويج له وما زالت فكرته قائمة، ولكن هذه الطرق كلها تبقى تواجه تحديات الاستقرار في مرورها عبر دول ما زالت تواجه صراعات، وهذا يؤكد أن عام 2024 ليس عاماً تُتوقَّع فيه سياسات استثمارية عالمية منفتحة.

باختصار يمكن القول إنّ الاستقرار الاقتصادي العالمي قد يواجه تحديات، خصوصاً في سياق التوترات الجيوسياسية والحروب المحتملة في المناطق المتأثرة.

إحصل على اشتراك سنوي في مجلة العمران العربي

اشترك الآن