النشرة الاقتصادية العربية العدد 65

  • 1 يناير - 31 مارس 2025

 

يتضمّن الإصدار الخامس والستون للنشرة الاقتصادية العربية، دراستان محوريتان باللغة العربية ومقالين باللغة العربية بالإضافة إلى مقال باللغة الانجليزية.

وتتناول قضايا محورية للتنمية العربية في ظل التحولات التاريخية التي تمرّ بها المنطقة العربية والتحديات التي تواجهها في إطار الطريق إلى الإصلاح وتعزيز الكفاءة الاقتصادية. بما يتيح للاقتصاد العربي أن ينضم إلى صفوف الدول النامية التي صنعت لنفسها موقعا مؤثرا في الاقتصاد العالمي.

جاءت الدراسة الأولى بعنوان: "تمكين الكفاءات العربية في العصر الرقمي: نحو تأهيل الموارد البشرية وتعزيز دور المرأة في بناء المستقبل"، حيث في ظل التسارع الكبير للتطورات التكنولوجية والتحولات الاقتصادية العميقة، أصبح التحول الرقمي أكثر من مجرد خيار استراتيجي؛ بل هو ضرورة ملحة لضمان الاستدامة والتنافسية في الاقتصاد العالمي. تساهم التقنيات الرقمية الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والبيانات الضخمة في إعادة تشكيل الصناعات التقليدية، مما يفرض على أسواق العمل اكتساب مهارات جديدة لمواكبة هذه التغيرات. وفي هذا السياق، يتزايد دور الكفاءات العربية باعتبارها عاملاً أساسياً في التكيف مع التحولات الرقمية وتحقيق التنمية المستدامة في المنطقة العربية.

وتسعى هذه الدراسة إلى استكشاف سبل تمكين الكفاءات العربية في العصر الرقمي، مع التركيز على محورين رئيسيين: الأول هو تأهيل الموارد البشرية لتلبية احتياجات الاقتصاد الرقمي، والثاني هو تعزيز دور المرأة في النمو الاقتصادي والاجتماعي. على الرغم من أن العالم العربي يشهد طفرة في تبني التقنيات الرقمية، فإن هناك فجوات كبيرة في المهارات الرقمية المطلوبة، مما يتطلب إعادة النظر في سياسات التعليم والتدريب لتتوافق مع احتياجات سوق العمل المستقبلية.\

أما الدراسة الثانية فحملت عنوان: "وسط تحديات تغيّر المناخ: مشاريع استثمارية عربية ضخمة في الطاقة المتجددة"، حيث يُشكل تغيّر المناخ العالمي مصدر قلق للبشرية، في ظل سعي دول العالم إلى السيطرة على هذه الظاهرة التي نتجت عن الممارسات البشرية المختلفة، حيث ترتفع حرارة المنطقة القطبية الشمالية أربع مرات أسرع من العالم بأسره، مما يتسبب في انكماش الجليد بمساحة تعادل مساحة النمسا كل عام، وهو ما يُشكل أزمة مقلقة للعالم.

وعلى الرغم من جهود الدول العربية في مجال مكافحة أزمة المناخ، فإنّ مؤشر أداء تغير المناخ لعام 2024، الصادر عن منظمة "جيرمان ووتش" غير الحكومية ومعهد "نيو كلايميت"، كشف أن تحقيق هذا الهدف مرهون بخفض الوقود الأحفوري خفضاً كبيراً.

وتتباين مراكز الدول العربية بالمؤشر، ففي المقدمة جاء المغرب (الأول عربيّاً والتاسع عالميّاً)، ويعود تصنيفه باعتباره دولةً ذات أداء عالٍ إلى انخفاض انبعاثات غازات الدفيئة، والاتجاه نحو زيادة كفاءة استخدام الطاقة، والتقدم في إنتاج الطاقة المتجددة. إذ تعتمد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشدة على الوقود الأحفوري لإمدادات الطاقة والاستهلاك المحلي. ويمكن حالياً تصنيف منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ضمن فئتين رئيسيتين: الفئة الأولى وهي مصدرو الطاقة الصافون (دول مجلس التعاون الخليجي، العراق، الجزائر، ليبيا) الذين يملكون موارد نفط/غاز كبيرة وتشوهات ملحوظة في الأسعار.

وتناولت الدراسة الثالثة بعنوان: "فتيل الحرب التجارية العالمية الأولى يشتعل بفعل رسوم ترامب الجمركية"، المفاعيل الاقتصادية العالمية بسبب رسوم ترامب حيث بدأت ملامح الحرب التجارية العالمية تتشكل بفعل الرسوم الجمركية التي فرضها رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب على 128 دولة حول العالم من بينها 18 دولة عربية، مما قد يؤجج الوضع الاقتصادي ويشعل فتيل حرب اقتصادية عالمية، بسبب تلك الرسوم الجمركية. حيث أنّ تأثير الخطوات التي اتخذها ترامب لن يكون محصورا بالدول المستهدفة، بل سيتعداه إلى دول الاتحاد الأوروبي التي هددها أيضا الرئيس ترامب بفرض رسوم جمركية عليها، وإلى باقي دول العالم، حتى أنّ الولايات المتحدة لن تنجو من خطوات ترامب الذي اعترف بأنّ الأمريكيين قد يشعرون بألم اقتصادي بسبب الرسوم الجمركية التي تمّ فرضها على كندا والمكسيك والصين، معتبرا أنّ "تأمين المصالح الأمريكية يستحق هذا الثمن".

وأمام هذه الواقع، فإنّ السؤال الجوهري يتمحور حول ما الذي يمكن أن يحدث إذا تم تطبيق تعريفات ترامب؟ والإجابة على ما يبدو واضحة، وهي: ارتفاع التضخم، وتباطؤا في النمو، وتأثير سلبي على قدرة الاقتصاد الأميركي على المنافسة عالميّاً. بالإضافة إلى خلط أوراق بنك الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي الأميركي)، وربما تتعثر قدرته على المضي في مسار خفض الفائدة، والاضطرار إلى استمرار العمل بالسياسات النقدية المشددة في الولايات المتحدة.

وبالتالي فإنّ ترامب الذي يهدف من خلال سياساته الاقتصادية إلى تحقيق منفعتين: المنفعة الأولى وهي الضغط على الشركاء التجاريين للوصول إلى اتفاقيات مرضية له، كما فعل خلال ولايته الأولى، إذ استخدم هذا النوع من الضغط لتحقيق فوائد إضافية بعيدة عن المجال الاقتصادي. والمنفعة الثانية تعزيز الصناعة المحلية وتقليل حجم فاتورة الواردات. فإنّ هذه الطموحات التي تبدو إيجابية ومشروعة لأي رئيس، لكنّ تحقيقها يجب أن يتم من خلال سياسات اقتصادية مدروسة تعمل على دعم الإنتاج المحلي وسد الفجوات الاقتصادية بدلاً من شن حروب تجارية وفرض رسوم جمركية. ففرض التعريفات على السلع المستوردة سيؤدي في النهاية إلى ارتفاع أسعار المنتجات النهائية التي يستهلكها المواطن الأميركي، ما يزيد من التضخم ويؤثر سلباً على الإنفاق وعلى الاقتصاد بشكل عام. وهذه الفجوة الاقتصادية التي يحاول ترامب سدها لن تتم بطريقة صحية ومستدامة، بل ستؤدي إلى نتائج عكسية تنعكس سلباً على الاقتصاد الأميركي والمواطن.

أما الدراسة الرابعة فجاءت بعنوان: "تحفيز القطاع الخاص العربي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة"، حيث يعتبر القطاع الخاص لاعباً أساسياً في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، حيث يمتلك القدرة على تسريع النمو الاقتصادي، خلق فرص العمل، ودفع الابتكار في مختلف القطاعات. ومع ذلك، تواجه الشركات العربية العديد من التحديات التي تحول دون مشاركتها الفعالة في هذا المجال، مما يستدعي تدخل الحكومات لتوفير سياسات وحوافز داعمة.

وعلى الرغم من الدور الحيوي الذي يمكن أن يلعبه القطاع الخاص في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، إلا أن هناك العديد من العوائق التنظيمية والإدارية التي تحد من مشاركته الفعالة في هذا المجال. تتنوع العوائق الرئيسية التي تواجه المشاركة الفعالة للقطاع الخاص في تحقيق أهداف التنمية المستدامة بين القيود التشريعية غير المرنة، قلة التنسيق بين القطاعين العام والخاص، والنقص في الحوافز اللازمة للاستثمار في المشاريع المستدامة. كما أن ضعف الشفافية وعدم وجود آليات فعالة للمراقبة والتقييم يعيقان تنفيذ المبادرات البيئية والاجتماعية بشكل مستدام.

في ظل التحديات الاقتصادية والبيئية التي تواجه المنطقة العربية، أصبح من الضروري أن تتبنى الحكومات سياسات فعّالة لتحفيز القطاع الخاص على المشاركة الفعلية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. يمكن أن تشمل هذه السياسات تغييرات جوهرية في البيئة التنظيمية، مثل تبسيط الإجراءات، وتوفير حوافز مالية وضريبية للمشروعات المستدامة، وتقديم تسهيلات للوصول إلى التمويل.

علاوة على ذلك، يجب أن تُدعم هذه السياسات من خلال تحفيز الشركات على تبني تقنيات مبتكرة ومستدامة، من خلال تخصيص موارد لدعم البحث والتطوير، وتوفير إشراف وتشجيع على تنفيذ معايير الاستدامة في جميع العمليات التجارية. كما أن الشراكات بين الحكومة والقطاع الخاص يمكن أن تساهم في ضمان التنسيق الفعّال لتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المشتركة.

أما الدراسة الخامسة فجاءت باللغة الإنجليزية بعنوان: Sustainable Development in the Arab Region and Europe: SMEs Leading Construction Innovation، وفي هذا المقال يتم التطرّق إلى أهمية التنمية المستدامة كركيزة أساسية لمواجهة التحديات المترابطة للنمو الاقتصادي وتغير المناخ والعدالة الاجتماعية. وتتمتع المنطقة العربية، بتركيبتها السكانية الشابة وروح ريادة الأعمال المزدهرة، بإمكانيات هائلة للمبادرات التحويلية. وفي الوقت نفسه، تقدم أوروبا، مسترشدةً بأطر سياسات متقدمة وقدرات تكنولوجية، خارطة طريق لتحقيق نتائج مستدامة. ومن خلال تجسير هذه القوى التكاملية، يمكننا خلق تآزر قوي يدفع نحو حلول فعّالة للتحديات المشتركة، من كفاءة الموارد إلى الاستدامة الحضرية. تستكشف هذه المقالة الدور الحاسم للشركات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة في تحفيز هذا التحول. وتدرس فرص التعاون بين المنطقة العربية وأوروبا، مع التركيز على ممارسات البناء المستدامة، وتسليط الضوء على الابتكارات والتحديات والمسارات التي يمكن أن تعيد تعريف مستقبل هذه الصناعة.

وتتميز الشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة بالمرونة والقدرة على التكيف، وترتبط ارتباطاً وثيقاً باحتياجات مجتمعاتها. في المنطقة العربية، تُشكل الشركات الصغيرة والمتوسطة ما يقرب من 90% من الشركات، وتُوظف ملايين الأشخاص، بينما تُساهم الشركات الصغيرة والمتوسطة في أوروبا بأكثر من نصف ناتجها المحلي الإجمالي. ولا شك أن دورها في مواجهة تحديات الاستدامة لا يُستهان به. فمن تطبيق ممارسات البناء الأخضر إلى تبني مبادئ الاقتصاد الدائري، تُحدث الشركات الصغيرة والمتوسطة تحولاً جذرياً وتُسهم في إحداث تغيير منهجي.

 

+ أضف تعليق

إلزامي

شكراً لك،
سنعاود الاتصال بك لاحقاً

إحصل على اشتراك سنوي في مجلة العمران العربي

اشترك الآن