
منظمة التجارة العالمية..
المآل والمرتجى وسط المتغيرات الاقتصادية والحروب التجارية
وسط تصاعد التوترات التجارية العالمية منذ تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منصبه، تبقى العين على منظمة التجارة العالمية وما ينتظرها من تحديات وما يتطلّب منها في المقابل من أدوار، خصوصا لجهة الحفاظ على سلاسة المعاملات التجارية على الساحة الدولية. وأمام الواقع المستجد فإنّ السؤال الجوهري يتمحور حول مدى قدرتها على تحقيق ذلك؟ أما أننا اليوم أمام حقبة أفول دور هذه المنظمة التي تأسست في جنيف عام 1995، بدعم من الولايات المتحدة وأوروبا، بهدف ضمان انسيابية التجارة العالمية، وتوفير منصة لتسوية النزاعات الاقتصادية. وقد حلت هذه المنظمة محل الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة (GATT) .
اليوم ومع تصاعد التوترات التجارية بين القوى الاقتصادية الكبرى، قد تشكل هذه اللحظة فرصة لتأكيد أهمية دور المنظمة في تحقيق هذه الأهداف بشكل فعال. حيث أنّ منظمة التجارة العالمية أنشئت خصيصًا للتعامل مع مثل هذه الأزمات، وذلك عبر توفير منصة للحوار، والحد من تصاعد النزاعات، وتعزيز بيئة تجارية مفتوحة يمكن توقع تطوراتها المستقبلية.
والسؤال هو: هل يمكن ذلك؟ خصوصا وأنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا يهتمّ بالقواعد التي وضعتها منظمة التجارة العالمية، وتتصرف الولايات المتحدة وكأنها ليست جزءًا من منظمة التجارة العالمية، عندما يتعلق الأمر بالتعريفات الجمركية.
وتنطوي عضوية منظمة التجارة العالمية على مجموعة من الامتيازات والالتزامات. وتتمثّل الركيزة الأساسية في القدرة على الوصول إلى الأسواق العالمية بشروط عادلة وقابلة للتحقق. ويحصل الأعضاء على ميزة التجارة غير التمييزية. وتتضمن الالتزامات أيضاً خفض التعريفات الجمركية، وتجنب نظام الحصص، وتسهيل تدفق المبادلات التجارية من خلال إجراءات جمركية فعّالة. وتنظر إدارة ترامب إلى العجز التجاري باعتباره مسألة سلبية. وقد استخدمت التعريفات الجمركية للحد منه، بدعوى حماية الصناعة الأمريكية.
لكن يكمن الخطر في أن هذه التدابير قد تؤدي إلى تصعيد متبادل يتحول إلى حرب تجارية شاملة، تشمل العديد من الدول والقطاعات الاقتصادية. بينما لا تستطيع منظمة التجارة العالمية فعل الكثير لدفع الولايات المتحدة إلى الالتزام بقواعد التجارة الدولية.
وإزاء اتباع الصين بحلول منتصف العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، استراتيجيات متنوعة مثل تقديم الإعانات والقروض منخفضة التكلفة، ونقل التكنولوجيا بشكل إلزامي. وقد تمكنت من تحقيق ميزة تنافسية في صناعات مثل السيارات الكهربائية، والصلب، وبناء السفن. شهدت في المقابل، وظائف التصنيع في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تراجعًا ملحوظًا، مما أدى إلى ردود فعل سياسية قوية. وقد عجزت منظمة التجارة العالمية عن التصدي لما اعتبره البعض في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ممارسات غير عادلة من قبل الصين، مما أدى إلى إحباط واشنطن، وتوصلت الولايات المتحدة إلى استنتاج مفاده أن منظمة التجارة العالمية ليست الوسيلة المناسبة لحل المشاكل التي تواجهها مع الصين.
وفي المقابل، لا تزال بكين تلجأ إلى منظمة التجارة العالمية لطرح مشكلاتها مع الولايات المتحدة؛ فبمجرد أن فرض ترامب رسومًا جمركية بنسبة 10 في المئة على جميع السلع الصينية المصدرة إلى الولايات المتحدة، قدم بلد التنين شكوى إلى منظمة التجارة العالمية على الفور، وردّ في وقت لاحق بفرض رسوم جمركية بنسبة 15 في المئة على بعض الواردات الزراعية الأمريكية، بما في ذلك الدجاج والذرة. ويمكن أن يصدر حكما من هيئات منظمة التجارة العالمية بأن ترامب قد انتهك قواعد التجارة، كما كان الحال في عام 2020، عندما وجدت الهيئة أن تعريفاته الجمركية الموجهة ضد البضائع الصينية انتهكت قواعد التجارة.
لكن سيكون انتصار الصين، الذي سيتطلب من حيث المبدأ سحب ترامب تعريفاته الجمركية، رمزيًا في المقام الأول. ويمكن للولايات المتحدة أن تستأنف، لكن لن يحقّق ذلك شيئا بسبب هيئة الاستئناف التابعة لمنظمة التجارة العالمية الفاقدة لفعاليتها. ومع ذلك، يبدو أن بكين ترى بعض الجدوى من هذه العملية.
وعلى الرغم من ذلك، لا تزال منظمة التجارة العالمية تحتفظ بأهميتها. إذ تواصل تقديم الدعم لأعضائها لحل النزاعات التجارية، حتى في غياب هيئة استئناف نشطة، وإن كان ذلك بشكل أقل فعالية. وفي السنوات الأخيرة، جرت مشاورات حول نزاعات تتعلق بحقوق الملكية الفكرية، وتجارة السلع الزراعية، وتدابير مكافحة الإغراق. لكن تعاني منظمة التجارة العالمية اليوم، من عجز في اتخاذ قرارات ملزمة قانونياً بسبب عدم وجود هيئة استئناف فعالة. ومن الواضح أن منظمة التجارة العالمية ليست في وضع جيد. لكن من الممكن أن تكون هذه المؤسسة قابلة للاستدامة، حتى في ظل حكم ترامب.