
التجارة الالكترونية.. بين المزايا الاقتصادية والتحديات القانونية؟!
تحولت التجارة الإلكترونية الرقمية إلى جزء مهم من عمليات التبادل التجاري الدولية، لتشمل آليات تبادل المعلومات عبر الحدود، وهذا ما فتح الباب للتحديات التي تخص نظم التجارة الإلكترونية والتي لا تقتصر فقط على قياس حجم التبادل التجاري وقيمته عبر الحدود، بل يشمل أيضاً حرية انتقال، وتدفق البيانات بين الدول، وآليات ولوائح مراقبتها بما يخدم حمايتها، وبما يحقق هدف التوسع في قطاعات التجزئة في نطاق الاقتصاد الرقمي المحلي والدولي.
ولقد لعبت التجارة الإلكترونية دوراً ملموساً في تحول الاقتصاد العالمي خصوصاً بعد أزمة كوفيد-19 التي نتج عنها حاجة ماسة وعاجلة للتبادل. ووفقاً لتقرير الأونكتاد لعام 2021، ازدادت مبيعات التجزئة عبر الإنترنت بنسبة 22.4 في المئة عام 2020، لتصل إلى 2.5 تريليون دولار، مقارنة بزيادة قدرها 15.1 في المئة بين عامي 2018 و2019. كما وصل حجم مبيعات التجارة الإلكترونية العالمية عام 2024 إلى أكثر من 6 تريليون دولار، مما يمثِّل زيادة بنسبة 8.4 في المئة. في حين بلغ عدد المتسوقين عبر الإنترنت حول العالم حوالي 2.71 مليار شخص عام 2024.
وبات من المؤكد أن التوسع في التجارة الإلكترونية لا يتطلب فقط الاستعداد، وتوفر البنية الأساسية، ولكن يتطلب أيضاً توفر نوعية ملائمة من التشريعات المنظمة لها، والتي تدعم نجاحها، وتحقيق ميزاتها الاقتصادية، على المستوى الوطني والدولي. ونظراً لتزايد الاهتمام بالتجارة الإلكترونية لكونها حاضر ومستقبل التجارة العالمية، فلابد من تسليط الضوء على أهم الميزات الاقتصادية، وما يترافق معها من تحديات تشريعية، إذ من أبرز المنافع الاقتصادية المترتبة عن توسع التجارة الإلكترونية، هو خفض التكاليف عن طريق البيع المباشر وذلك من خلال تقليص عدد نقاط البيع والفروع التي يتطلبها التعامل التجاري بشكل عام، ونشاطات التجزئة بشكل خاص، وتوفير خيارات الخدمة الذاتية للعملاء، والذي يمكنهم باستخدام الإنترنت من الشراء في أي وقت وفي أي مكان. كذلك تساهم التجارة الالكترونية في تأسيس قاعدة بيانات للعملاء تتم الاستفادة منها في النشاط أو في نشاطات أخرى تقوم به الشركة (أو حتى بيعها لشركات أخرى)، وهذه البيانات تخلق مجالاً لدعم التوسع في قطاعات أخرى، مما يجعلها قادرة على الاستفادة منها في زيادة سيطرتها السوقية. ومن شأن التجارة الإلكترونية اختراق المزيد من الأسواق عبر الإنترنت وتشجيع دخول المزيد من صغار تجار التجزئة الذين يقدمون خيارات خدمة ذاتية إلكترونياً، وبيع للعملاء من دون أن يكونوا تحت مظلة شركات معينة لا يمكن أن تستهدفها السلطات الضريبية والرقابية بسهولة خصوصاً في الدول النامية.
إذن لقد أتاحت الرقمنة فرصاً تجارية جديدة إذ يُمكن إنجاز المعاملات التجارية بسرعة، وإبرام الاتفاقيات وتنفيذها إلكترونيًا بالكامل. كما أحدثت التغييرات التكنولوجية ثورة في التجارة الحديثة، لا سيما فيما يتعلق بشكل العقود المُبرمة والمُنفذة إلكترونياً، وقابليتها للتنفيذ، وضمان صحة التوقيعات والسجلات الرقمية.
لكن على الرغم من ذلك فإن تطوّر واقع التجارة الإلكترونية يتزامن مع تزايد نشاطها تحديات ومعاملات قانونية تبدأ من عملية عرض المنتج إلكترونياً لتصل إلى التعامل مع سلسلة الإمدادات مما يتيح المجال للنزعات الاحتكارية، والمنازعات التجارية بين التجار، أو بين التجار والمستهلكين حاضرة، وبحاجة إلى نظام قانوني مرن يتعامل معها. فالنظام المنظّم لها ليس فقط نظام التجارة الإلكترونية، وإنما يمتد ليصل إلى نظام الشركات، نظام الملكية الفكرية، نظام حماية البيانات، قوانين ذات العلاقة بالإعلام، والإعلانات، وغيرها من الأنظمة ذات العلاقة.
وعلى سبيل المثال، الحصول على بيانات العملاء عبر الإنترنت يمثّل نقطة حرجة تتعلق بالخصوصية وأيضاً تعطي الشركات فرصة سانحة للهيمنة على السوق، مما يعني ضرورة وجود متطلبات تشريعية، ورقابية متوازنة لضمان تحقق المنافع الاقتصادية المنشودة، هذا إذا كنا نتحدث على النطاق الوطني، ولكن ميزة التجارة الإلكترونية أنها أيضاً عابرة للحدود، ولذلك فالتحدي أمامها كبير.
في المحصّلة يمكن القول إنّ التجارة الإلكترونية تعدّ مجالاً سريع التطور، مما يتطلب تحدَّيث التشريعات واللوائح باستمرار بما في ذلك الخطوات التنظيمية لحماية المستهلكين، وهذا يعني الاستناد على العديد من المجالات القانونية، مثل العقود والحق في ضمان الخصوصية، وقضايا الازدواجية الضريبية.