كانون الثاني وشباط (يناير - فبراير) 2025

  • 1 يناير - 28 فبراير 2025

الحرب التجارية العالمية.. هل بدأت؟!

 

في الوقت الذي بدأت ملامح الحرب التجارية تتشكل بين كل من الصين والمكسيك وكندا من جانب، وبين الولايات المتحدة الأمريكية، تحت إدارة الرئيس دونالد ترامب من جانب آخر، مما قد يؤجج الوضع الاقتصادي في تلك الدول، بسبب الرسوم الجمركية، فإنّ السؤال هل ما يفعله الرئيس الأمريكي مبرر باعتقاده أنّ الولايات المتحدة واقعة تحت غبنٍ تجاري، وبأن الدول "تستغل" الولايات المتحدة؟

الإجابة ربما لا، والسبب أن الولايات المتحدة ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية تمسك بمفاصل التجارة العالمية، وتحقق مكاسباً عند كل منعطف. ولعل النقطة الأبرز التي تجعل اعتقاد الرئيس ترامب غير منصف، هو تركيزه على الميزان التجاري السلعي، والسلعي فقط، في حين أن الميزان التجاري يتكون من سلع وخدمات.

والأهم أن التجارة الدولية على مدى الثمانين عاما الماضية، عقب انقضاء الحرب العالمية الثانية، تحولت تحولاً مهولاً لصالح تجارة الخدمات، وكان كذلك تحولاً لصالح الولايات المتحدة الأميركية. ففي فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية كانت "السلع" تسيطر على التجارة الدولية، وتمثل الخدمات آنذاك ما يقارب 15 في المئة من قيمة الصادرات الدولية في العام 1950، ونحو 12 في المئة من الصادرات الأميركية، بالأسعار الثابتة. فضلاً، عن أنه في ذلك الوقت كان الاقتصاد الأميركي مصنع العالم، واستفادت الصادرات الأميركية من خطة مارشال لإعادة بناء أوروبا، مما عزز وضع صادراتها، وجعل حصة الصادرات الأميركية تزيد على 15 في المئة من الصادرات السلعية عالمياً. وبالمقارنة، فخلال ثمانين عاماً تطورت هيكلية التجارة الدولية؛ فقد برزت قوى اقتصادية قادرة على التصدير والمنافسة وفي مقدمتها الصين والاتحاد الأوروبي، فأصبح القلق المؤرق للولايات المتحدة يكمن في الحفاظ على تفوقها في الإنتاجية كما كان الوضع عليه عقب الحرب العالمية الثانية، حيث تمثل الصادرات الأميركية نحو 10 في المئة من الصادرات السلعية الدولية. كذلك نما نصيب الخدمات من التجارة العالمية؛ ونمت صادرات الولايات المتحدة الأميركية من الخدمات، إذ تقدر حصتها حالياً بحوالي 32 في المئة من تجارة الخدمات عالمياً، أي أن الأهمية النسبية للولايات المتحدة في تجارة الخدمات تضاعفت أكثر من الضعفين (من 12 في المئة إلى 32 في المئة خلال الفترة 1950 حتى العام 2024)، وهذه ليس عليها ضرائب جمركية، وقد تخضعها الدول لأنواع متفاوتة من الضرائب لاسيما ضرائب الاستقطاع.

وهكذا، يمكن القول إنّ تركيز الرئيس ترامب على الميزان التجاري في السلع واتخاذه إجراءات منفردة لزيادة الرسوم الجمركية، سيكون له تبعات مزعزعة على هيكلية التجارة العالمية، ولعل قصد ترامب إحداث زعزعة لإعادة توزيع حصص التجارة السلعية بما يعزز الصادرات الأميركية ويحد من الواردات الأميركية وبذلك يرتفع صافي الصادرات ويعزز نمو الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة.

لكن هناك مؤشرات أن الأمر قد لا يقف عند ذلك الحد، إذ سيكون لقرار الرئيس الأمريكي تبعات جسيمة، مؤداها إعادة تشكيل التجارة الدولية ومعها إعادة نقل وهيكلة سلاسل الامداد وبالتالي تدفق الاستثمارات الأجنبية، وهذا يعادل حرب عالمية تجارية غير مسبوقة منذ الحقبة التي اتبعتها القوى الاستعمارية في القرن السادس عشر وما بعده، ومبدأها "التجارة ولا شيء يهم سوى التجارة".

أمام هذا الواقع فإنّ ما يهم في نهاية المطاف هو إبقاء خطوط التجارة مفتوحة أمام الصادرات الأميركية لتفادي الرسوم الجمركية العالية. ومما تقدم يمكن القول إنّ انكفاء الولايات المتحدة باستخدام سلاح الرسوم الجمركية لجَرّ الاستثمارات، سيؤدي بالمقابل إلى حرب تجارية وإعادة تشكيل التكتلات التجارية لتكون الولايات المتحدة خارجها. كما سيؤدي فرض رسوم جمركية هائلة إلى إعادة تشكيل العلاقة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي. والأهم من ذلك ما سيحدثه شرخ الرسوم الجمركية من تقارب بين الاتحاد الأوروبي والصين، مما قد يضطر الرئيس ترامب إلى إيجاد تحالفات تجارية متعدد المرتكزات لشركائه وحلفائه في العالم، لتصبح محاوراً (دولاً وتكتلات) هي الأكثر رعاية MFN بما يعني توقيع اتفاقات تجارية واستثمارية تفضيلية، لكن سيبقى اهتمامه الأول والأخير ميزان المدفوعات.

إحصل على اشتراك سنوي في النشرة الاقتصادية العربية الفصلية

اشترك الآن