شباط (فبراير) 2024

  • 1 - 29 فبراير 2024

العالم مجددا أمام مخاوف ارتفاع التضخّم وأسعار الغذاء؟!

 

تتطور الأمور على صعيد استهداف السفن في البحر الأحمر بشكل غير مسبوق، وقد ظهرت العديد من التداعيات السلبية على الاقتصاد سواء الإقليمي أو العالمي، إلا أن هناك تداعيات أخرى غير مرئية.

على مدار العامين الماضيين شددت البنوك المركزية إجراءاتها لمحاربة التضخم، ورفعت أسعار الفائدة لمستويات تاريخية، ومؤخرا بدأت تؤتي هذه الإجراءات ثمارها. خلال يناير الماضي كانت الزيادة السنوية للتضخم في أميركا هي الأقل منذ ثلاثة أعوام تقريبا، وفي أوروبا تراجع التضخم في فبراير إلى 2.6 في المئة. كل هذا الآن في مرمى نيران هجمات البحر الأحمر.

دفعت الهجمات السفن لتغيير مسارها من البحر الأحمر باتجاه طريق رأس الرجاء الصالح، مفضلة عدد أيام أكبر في الرحلة وتكلفة أعلى، على المخاطرة بالمرور في البحر الأحمر. هذا بالتأكيد يؤثر على سلاسل الإمداد العالمية، وتكلفة وأسعار المنتجات النهائية، وبالتالي يرفع أسعار السلع بما يصب في زيادة التضخم، وهو ما أكده أوليغ كوبياكوف، المسؤول في منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، من أنّ الهجمات على الممرات المائية عبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر تؤثر سلبا على تجارة الغذاء العالمية، مما سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار.

أيضا هذه الهجمات لها تداعيات سلبية على أسعار النفط والغاز عالميا، إذ يعد البحر الأحمر طريقا رئيسيا لناقلات النفط والغاز من الشرق الأوسط إلى أوروبا. يمكن أن تؤدي الاضطرابات إلى ارتفاعات قصيرة المدى في أسعار النفط بسبب المخاوف بشأن انقطاع الإمدادات.

تداعيات اضطرابات البحر الأحمر ماثلة للأعين ولا تحتاج إلى دلائل، فهي تعطل واحدا من أهم الطرق والممرات البحرية عالميا، إذ تمر عبر مياهه نحو 12 في المئة من التجارة العالمية سنويا، كما أنه يربط أوروبا بالشرق الأوسط وآسيا.

وبالتأكيد تعطل هذه الهجمات طرق الشحن، وتعيق تدفق البضائع، مما يؤدي إلى تأخير التسليم وزيادة تكاليف الشحن. ويمكن أن يؤثر ذلك على الصناعات المختلفة التي تعتمد على النقل في الوقت المناسب، مثل التصنيع وتجارة التجزئة. كما تزيد من تكاليف التأمين، وهذا يؤثر سلبا على التكلفة الإجمالية للبضائع المنقولة.

كل هذه الاضطرابات قد تقود حالة عدم اليقين الاقتصادي، وهذا يؤثر على قرارات الاستثمار والعلاقات التجارية بين البلدان. وقد تحتاج البلدان إلى زيادة الوجود البحري والتدابير الأمنية في المنطقة، مما يزيد من التكلفة الإجمالية للتجارة. هذا علاوة على تهديد الاستقرار الإقليمي، مما قد يؤثر على الديناميكيات الجيوسياسية والعلاقات التجارية الأوسع بين الدول.

في المحصّلة، تتعرض التجارة العالمية لتهديد مباشر من حيث حجم أعمالها وأدائها وفرص نموها خلال عام 2024، بعد تزايد الهجمات على سفن الشحن في البحر الأحمر، الأمر الذي أجبر نحو 18 شركة شحن على تعديل مسارها، وهو ما يزيد من تكلفة الرحلة الواحدة نحو مليون دولار.

التكاليف المضافة على كل رحلة، سيتحملها المستهلك النهائي بالضرورة، في صورة زيادة أسعار الأغذية والسلع والخدمات، مما قد يعيد شبح التضخم للظهور من جديد، ليهدد أغلب دول العالم، أو بالكاد سيحافظ على مستوياته المرتفعة دون هبوط ملموس خلال 2024، في حال استمرت الأوضاع على ما هي عليه، دون اتخاذ إجراءات تردع هذه الهجمات.

ووسط توقعات ببلوغ حجم التجارة العالمية في عام 2023، نحو 30.7 تريليون دولار، بانكماش 5 في المئة عن عام 2022، فإنّ توقعات «أونكتاد» وهي هيئة تجارية تابعة للأمم المتحدة، إزاء عام 2024 تبدو متشائمة إلى أبعد الحدود. علما أنّ «أونكتاد» لم تبن رأيها المتشائم بناء على «هجمات البحر الأحمر»، لأنها أصدرت هذه التوقعات قبل هذه الأزمة، وأرجعت سبب انكماش التجارة العالمية، إلى ضعف أداء صادرات الدول النامية. حيث شهدت التجارة العالمية انخفاضاً طوال عام 2023، متأثرةً في المقام الأول بتراجع الطلب في الدول المتقدمة، وضعف الأداء في اقتصادات شرق آسيا، وهبوط أسعار السلع الأساسية.

أمام هذا الواقع فإنّه للتغلب على كل هذه الصعوبات يجب تنويع الشركاء التجاريين والأسواق، والتعاون الدولي خاصة مع المنظمات ذات الصلة، لضمان أمن الملاحة في البحر الأحمر، إضافة إلى وقف الحرب التي أنهكت اقتصادات الدول المجاورة.