كانون الثاني (يناير) 2024

  • 1 - 31 يناير 2024

سلاسل الإمداد العالمية.. رهينة الصراعات الإقليمية والدولية

 

خلطت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة الأوراق منذ اليوم الأول للمعارك المستمرة منذ 7 تشرين الأول 2023، خصوصا في ظل دخول أكثر من طرف على خط الصراع، وانخراط مضيق باب المندب في مرمى الحرب، من خلال هجوم "الحوثيين" على سفن تجارية تمر في ممر مائي يمثل 30 في المئة من إجمالي حركة سفن الحاويات العالمية، ويحتوي على سلع وبضائع بملايين الدولارات.

وفتح التدخّل "الحوثي" الباب أمام مخاوف تتعلق بحجم الضرر الذي سيصيب سلاسل الإمداد العالمية وقطاع الطاقة إذا ما تطور الأمر وتوسع نطاقه.  

ويعد أمن البحر الأحمر وممراته الحيوية -ومضيق باب المندب وقناة السويس- مهماً للتجارة والاقتصاد العالمي برمته، حيث يربط البحر الأحمر بالمحيط الهندي وبحر العرب من الجنوب مضيق باب المندب الاستراتيجي، فيما تربطه قناة السويس بالبحر المتوسط من الشمال والتي يمر عبرها نحو 12 في المئة من التجارة العالمية. ولغاية الآن انخفضت إيرادات قناة السويس منذ بدء الحرب بنسبة تتجاوز 35 في المئة، وهو ما أثّر على الاقتصاد المصري الذي تتغذّى خزينته من عوائد قناة السويس.

ويعني تعرض أمن البحر الأحمر -شريان التجارة العالمي- لأي تهديد أن خللاً سيصيب سلاسل الإمداد ويفتح تساؤلات حول استقرار سوق الطاقة عالمياً، حيث يحمل طريق البحر الأحمر نفسه ما يقرب من عُشر إمدادات النفط المنقولة بحرًا، بحسب وكالة الطاقة الدولية. 

كما وتشكل مياهه حلقة الوصل الملاحية الأقصر والأسرع بين آسيا وأوروبا، وأي تغيير لمسارات السفن يعني إطالة مدة الرحلة وهذا سيؤدي إلى تأخر وصول الإمدادات وارتفاع الأسعار، مع ارتفاع تكلفة الإنتاج الصناعي وأيضا ارتفاع تكلفة النقل البحري. ناهيك عن ارتفاع تكاليف التأمين سواء على السلع العالمية أم على تجارة النفط والغاز. 

كما تشكل تكلفة التأمين في منطقة الشرق الأوسط عبئاً على النقل البحري خصوصاً وأنها تعد منطقة صراعات، ونظراً لطبيعة المضايق الجغرافية وضيقها، يكون استهداف السفن فيها أمرا سهلاً. 

ويبلغ عرض مضيق باب المندب 29 كيلو متراً فقط، وهو من أكثر الممرّات البحرية ازدحاماً في العالم، ينتقل عبره ما بين 5.5 مليون برميل نفط إلى 6 ملايين برميل يومياً من الخليج إلى أوروبا والولايات المتحدة الأميركية. و8 في المئة من الغاز الطبيعي المسال. وهو ما يشكل نحو خمس الاستهلاك العالمي من النفط والذي يمثّل استقراره أهمية بالغة لأمن الطاقة العالمي. كما أنه من أهم المسارات المائية في العالم لشحنات السلع المتجهة إلى آسيا، بما في ذلك النفط الروسي.

كما يمر نحو 40 في المئة من تجارة النفط المنقولة بحراً عبر مضيق هرمز يومياً، إلى جانب شحنات الغاز الطبيعي المسال من قطر، والتي ساعدت أوروبا على استبدال الغاز الروسي.

إلى جانب ذلك، أجبرت التهديدات عمالة الشحن العالمية كشركة MSC Mediterranean Shipping  التي تستحوذ على خمس القدرة الاستيعابية لسوق الحاويات العالمي، وشركة "ميرسك" التي تدير ثاني أكبر أسطول لشحن الحاويات في العالم، وغيرها من الشركات الكبرى، على تغيير مسار سفنهم بعيداً عن البحر الأحمر وتدرس هذه الشركات تجنب المرور في الطريق الأقصر ملاحياً إلى أوروبا مطالبين بوجود بند في العقود المبرمة مع الشركات بالسماح لهم بإرسال سفنهم عبر أفريقيا إذا أرادو تجنب المرور قبالة سواحل اليمن.

وهذا يعد تحولاً في خارطة الملاحة البحرية التجارية والعودة إلى ما قبل بناء قناة السويس كما أن الالتفاف حول إفريقيا عبر رأس الرجاء الصالح يعني إطالة زمن الرحلة بمقدار سبعة إلى 10 أيام مقارنة باستخدام قناة السويس.

تطورات تأتي في وقت وصفته منظمة التجارة العالمية بالصعب بالنسبة لسلاسل التوريد العالمية، فقناة بنما التي يمر عبرها نحو 5 في المئة من حجم التجارة المنقولة بحراً يفتك بها هي الأخرى الجفاف ويتسبب في تأخير سفن الشحن التي تمر عبرها.

التهديد الجديد في عالم الشحن والذي من الممكن أن يؤثر على التجارة بدءاً من النفط إلى السيارات يضع قدرة صمود واحتمال الاقتصاد العالمي أمام اختبار جديد عبر سلاسل التوريد. وهو الذي لم يفق بعد من أوجاع الجائحة التي قلبته رأساً على عقب وليس انتهاءً بالحرب الروسية الأوكرانية وزيادة التضخم وسياسة النقد التشددية في العامين الأخيرين.