كانون الأول (ديسمبر) 2023

  • 1 - 31 ديسمبر 2023

 

البلدان العربية في مواجهة تغير المناخ: تحويل التحديات إلى الفرص وبناء مستقبل أخضر

في الوقت الذي انعقدت فيه قمة المناخ COP 28 في دبي، وتباينت فيه مواقف الدول المشاركة حول عدد من القضايا بين مؤيد ومعارض للتخلص من الوقود الأحفوري، جاء تقرير "فجوة الانبعاثات لعام 2023" الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، ليحذّر من أن عام 2023 هو العام الأكثر سخونة في تاريخ البشرية، وأن العالم كله يشهد "تسارعا مثيرا للقلق في عدد وسرعة وحجم الأرقام القياسية المناخية المكسورة".

أمام هذا الواقع، يتزايد الحديث عن أهميّة تعزيز الاستثمارات في قطاع الطاقة النظيفة والمتجددة للانتقال بشكل أكبر نحو "الاقتصاد الأخضر". وفي هذا المجال تكشف منظمة العمل الدولية، عن أنّه أمام الدول العربية آفاق واعدة لتوسيع دور مسح البصمة الكربونية في توفير المزيد من الوظائف، حيث يمكن للمنطقة أن توفر 10 ملايين فرصة عمل جديدة، وتسريع نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 7.2 في المئة بحلول عام 2050 من خلال إزالة الكربون.

ولا شكّ أنّ تحقيق الهدف سيمر من بوابة الحفاظ على البيئة عبر برامج "القدرة على الصمود" من خلال الممارسات الصناعية والمناخية المستدامة وتأمين مستقبل مستدام، وزيادة الفرص للجميع. حيث أنّ الاتجاه إلى الطاقة الجديدة ساهم في توفير نحو 13.7 مليون وظيفة في مجال الطاقة المتجددة على مستوى العالم.

وتعدّ دول الشرق الأوسط من المدافعين النشيطين عن مكافحة تغير المناخ. واسترشادا بأهداف خفض انبعاثات الكربون العالمية، استجابت معظم دول الشرق الأوسط بنشاط لهدف "صافي انبعاثات عالمية صفرية في النصف الثاني من القرن الحادي والعشرين"، واقترحت على التوالي جداول زمنية وخارطة طريق محايدة للكربون. واقترحت دولة الإمارات تحقيق "الحياد الكربوني" بحلول عام 2050، كما اقترحت المملكة العربية السعودية وعمان والبحرين ودول أخرى تحقيق "الحياد الكربوني" بحلول عام 2060.

كذلك تعدّ دول الشرق الأوسط من الأطراف الفاعلة في دفع الحوكمة العالمية للمناخ. حيث يظهر تقرير وكالة الطاقة الدولية (IEA) أنه وفقا لخطط تحول الطاقة الحالية التي أعلنتها دول الشرق الأوسط، بحلول عام 2030، فإن إجمالي قدرة توليد الطاقة من الطاقة المتجددة (باستثناء الطاقة الكهرومائية) في الشرق الأوسط ستتجاوز192  جيجاوات، أي 17 ضعفا للمستوى الحالي، ومن بينها سيشكل توليد الطاقة الشمسية أكثر من 42 في المئة، وطاقة الرياح حوالي 35 في المئة.

إذن، إنّ التطور السريع للطاقة المتجددة والطاقة النظيفة لن يساعد دول الشرق الأوسط على تعزيز تحول الطاقة وتقليل انبعاثات الكربون فحسب، بل سيضع أيضا أساسا جيدا للتنمية المستدامة الإقليمية. وفي السنوات الأخيرة، واصلت الصين ودول الشرق الأوسط تعميق التعاون في مجال "خفض انبعاثات الكربون". وفي القمة الصينية العربية الأولى، تم إدراج العمل المشترك بشأن أمن الطاقة كأحد "الأعمال الثمانية المشتركة" للتعاون العملي بين الصين والدول العربية، مما يفتح آفاقا واسعة للتعاون في تحول الطاقة بين الصين والشرق الأوسط. وفي الوقت الحالي، أصبحت مشاريع الطاقة المتجددة والطاقة النظيفة التي أنشأتها الشركات الصينية جزءا من شبكات الطاقة في دول الخليج وممر الطاقة في شمال إفريقيا. على سبيل المثال، يتمتع مشروع محطة الظفرة للطاقة الشمسية PV2 في دولة الإمارات العربية المتحدة، بقدرة مركبة تبلغ 2.1 جيجاوات، والتي تعد أكبر محطة طاقة كهروضوئية منفردة في العالم بعد اكتماله في نوفمبر 2022.

 يعد مشروع محطة الشعيبة السعودية لتوليد الطاقة الكهروضوئية بقدرة 2.6 جيجاوات أكبر مشروع منفرد لمحطة الطاقة الكهروضوئية قيد الإنشاء في غرب آسيا وشمال إفريقيا. بالإضافة إلى ذلك، أصبحت دول شمال إفريقيا مثل الجزائر والمغرب أيضا شركاء مهمين للصين. وتظهر بيانات PV Infolink أنه في الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2023، استورد سوق الشرق الأوسط ما مجموعه 10.3 جيجاوات من الوحدات الكهروضوئية الصينية، بزيادة سنوية قدرها 58 في المئة، وشكلت السوق السعودية 50.49 في المئة منها، بزيادة تزيد عن 4 أضعاف مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.

إن مجتمع أمن الطاقة الذي يتألف من الصين ودول الشرق الأوسط بدأ يتشكل الآن. وتعد قضية معالجة تغير المناخ قضية مشتركة للبشرية جمعاء، مما توفر فرصة تاريخية للصين ودول الشرق الأوسط لمواصلة تعميق التعاون في مجال الطاقة الخضراء. وفي المستقبل، يمكن للجانبين تعزيز التعاون في أبحاث وتطوير تكنولوجيا الطاقة النظيفة، والعمل معا على دفع الابتكار، وتحسين كفاءة واستدامة الطاقة النظيفة، مما يقدم مسارات جديدة وتجارب عملية لحوكمة المناخ العالمية.

 

إحصل على اشتراك سنوي في مجلة العمران العربي

اشترك الآن