حزيران (يونيو) 2023

  • 1 - 30 يونيو 2023

البلدان العربية.. تأخر الإصلاحات الملحة يفرض عبئا على الآفاق والموارد؟!

 

يشكّل الدين العام في العديد من اقتصادات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وفق صندوق النقد الدولي مصدر قلق، على الرغم من تحقيق العالم العربي خلال السنوات الماضية، تقدماً هائلاً، ولعبه دوراً قيادياً حقيقياً على مستوى العالم.

لكن على الرغم من النجاحات تشهد البلدان العربية، على غرار مناطق كثيرة حول العالم، تحديات هائلة حيث أنه بعدما ارتفع النمو العالمي  3.4 في المئة في العام الماضي، سيتراجع إلى 2.9 في المئة عام 2023، ليسجل تحسناً طفيفاً عام 2024، حيث سيصل إلى 3.1 في المئة.

وعلى الجانب الإيجابي، من المرتقب أن يتراجع التضخم من 8.8 في المئة عام 2022 إلى 6.6 في المئة هذا العام و4.3 في المئة عام 2024، وإن كان سيظل متجاوزا مستويات ما قبل الجائحة في معظم البلدان. ولكن وبينما تبدو الصورة واعدة، لا تزال التطورات السلبية هي الكفة الراجحة في ميزان المخاطر. فمن الممكن تعطل مسيرة التعافي في الصين. وقد يظل التضخم متجاوزاً للتوقعات، ما سيقتضي المزيد من التشديد النقدي، الذي قد يؤدي إلى عمليات إعادة تسعير مفاجئة في الأسواق المالية.

ومع تباطؤ الاقتصاد العالمي، يُتوقع تراجع النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أيضا من 5.4 في المئة عام 2022 إلى 3.2 في المئة هذا العام، قبل أن يرتفع إلى 3.5 في المئة عام 2024.

وستتواصل التحديات في البلدان المستوردة للنفط. ويمثل الدين العام مصدر قلق كبير، حيث تواجه عدة اقتصادات في المنطقة ارتفاعاً في نسب الدين إلى إجمالي الناتج المحلي، التي تقارب 90 في المئة في بعض الاقتصادات.

وهناك عدة مخاطر تستدعي القلق في المنطقة أيضا، وفق صندوق النقد الدولي. فاستمرار الحرب الروسية في أوكرانيا وانسحاب روسيا من اتفاقية تصدير الحبوب والكوارث المناخية قد تؤدي إلى تفاقم عجز الغذاء في البلدان الأكثر عرضة للمخاطر. ويُضاف إلى ذلك الارتفاع المزمن في معدلات البطالة، لا سيما بين الشباب، ما يضعنا أمام خطر هائل يهدد الاستقرار الاجتماعي.

كذلك، يمكن أن تؤدي زيادة تشديد الأوضاع المالية العالمية أو المحلية إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض، بل ونقص التمويل في بعض الحالات. ومن شأن تأخر الإصلاحات المحلية الملحة أن يفرض عبئا على الآفاق الإقليمية والموارد الحكومية.

أمام كل ذلك لا بدّ من بناء الصلابة عبر سياسات المالية العامة، حيث تتطلّب تقلبات أسعار الطاقة والغذاء في المنطقة، من الحكومات التدخل لحماية الفئات الضعيفة مع مواصلة خطط التنمية والاستثمارات. ويقتضي ذلك التخطيط الدقيق وتوفر الموارد اللازمة. وهذا ما يفعله المغرب من خلال إلغاء الدعم المكلف غير الموجه تدريجيا لصالح توفير الدعم الاجتماعي الذي يستهدف الفئات المستحقة. وكذلك وضعت موريتانيا ركيزة مالية لمواجهة تقلبات إيرادات تصدير المعادن، كما رفعت أسعار الوقود بنسبة 30 في المئة من خلال تخفيض الدعم. وتعمل بعض البلدان المستوردة للطاقة على بناء احتياطاتها عندما ترتفع الأسعار استعدادا لمواجهة تقلبات أسعار النفط.

كما لا بدّ على الحكومات إدارة العديد من المخاطر التي تهدد ماليتها العامة، بما في ذلك الناجمة عن الضمانات العامة وخسائر الشركات المملوكة للدولة، ما قد يؤدي إلى زعزعة استقرار الدين وتخفيضات حادة في النفقات الضرورية. إلى جانب ذلك ينبغي على البلدان العربية التخطيط والاستثمار على المدى الطويل لمواجهة تحديات المناخ. فمن شمال أفريقيا إلى آسيا الوسطى، تبلغ مستويات الاحترار في المنطقة ضعف معدلها في باقي أنحاء العالم.

كما المطلوب تعزيز الإيرادات الضريبية، حيث أن الاستثمار في مستقبل أكثر صلابة مرهون بمواصلة تعزيز سياسات الضرائب والإدارة الضريبية. وقد أحرزت بلدان عديدة في المنطقة تقدماً كبيراً في تعزيز قدراتها الضريبية. ومع ذلك، فإن متوسط نسبة الضرائب إلى إجمالي الناتج المحلي، ما عدا الإيرادات المرتبطة بالهيدروكربونات، لا يزال 11% تقريبا، أي أقل من نصف الحصيلة الممكنة. ويمكن زيادة هذه النسبة من خلال تحسين تصميم السياسات الضريبية والإلغاء التدريجي للإعفاءات الضريبية المفتقرة إلى الكفاءة. فعلى سبيل المثال، تعمل الجزائر حالياً على توسيع الوعاء الضريبي وتوزيع العبء الضريبي بعدالة أكبر. ونجحت البحرين والسعودية في جمع إيرادات هائلة من خلال تطبيق ضريبة القيمة المضافة. وفي الإمارات العربية المتحدة، يُتوقع تطبيق ضريبة دخل الشركات بصورة تدريجية.

والعامل الأساسي الآخر لزيادة الإيرادات هو تحديث الإدارة الضريبية، كما يمكن أن يساعد استخدام الأدوات الرقمية في هذا الصدد. وهذا ما قام به الأردن بالفعل، كما اتخذت وزارة المالية الفلسطينية إجراءات مماثلة. ويعكف الصومال أيضا على إصلاح السياسات والإدارة لإعادة بناء القدرات الضريبية. ويُتوقع أن تساهم مثل هذه الإجراءات في زيادة الإيرادات من خلال تحسين الامتثال الضريبي.

إحصل على اشتراك سنوي في النشرة الاقتصادية العربية الفصلية

اشترك الآن