كانون الثاني (يناير) و شباط (فبراير) 2023

  • 1 يناير - 28 فبراير 2023

البلدان العربية.. مواجهة الأخطار الاقتصادية بالابتكار

 

حقق العالم العربي خلال العقود القليلة الماضية تقدما هائلا، ولعب دورا قياديا حقيقيا على مستوى العالم. ولكن على الرغم من النجاحات، تشهد المنطقة -على غرار مناطق كثيرة حول العالم- تحديات هائلة في الوقت الذي نواجه فيه أزمات عديدة. وأود هنا التركيز على إحدى القضايا الإقليمية الأكثر إلحاحا، وهي كيفية تعزيز صلابة الموارد العامة لحماية شعوبنا واقتصاداتنا ومناخنا.

على المستوى العالمي، لا يزال النمو العالمي ضعيفا، لكنه ربما يشهد نقطة تحول في الوقت الحالي. فبعدما ارتفع النمو 3.4 في المئة العام الماضي، نراه يتراجع حاليا إلى 2.9 في المئة خلال 2023، ليسجل تحسنا طفيفا في 2024، حيث يصل إلى 3.1 في المئة.

هذه المؤشرات أوردها صندوق النقد الدولي، وهي وإن كانت أقل قتامة مقارنة بتشرين الأول (أكتوبر)، فإنها لا تزال تشير إلى تراجع النمو، كما تظل مكافحة التضخم من الأولويات في 2023.

وعلى الجانب الإيجابي، من المرتقب أن يشهد العالم حاليا تراجع التضخم من 8.8 في المئة 2022 إلى 6.6 في المئة هذا العام، و4.3 في المئة 2024. وإن كان سيظل متجاوزا مستويات ما قبل الجائحة في معظم الدول. ومن العوامل المساعدة إعادة فتح الصين، وصلابة أسواق العمل، والإنفاق الاستهلاكي في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وبينما تبدو الصورة واعدة، لا تزال التطورات السلبية هي الكفة الراجحة في ميزان المخاطر. فمن الممكن تعطل مسيرة التعافي في الصين. وقد يظل التضخم متجاوزا للتوقعات، ما سيقتضي مزيدا من التشديد النقدي الذي قد يؤدي إلى عمليات إعادة تسعير مفاجئة في الأسواق المالية. وربما تتصاعد الحرب الروسية في أوكرانيا مخلفة اقتصادا عالميا أكثر تفككا.

ومع تباطؤ الاقتصاد العالمي، يتوقع تراجع النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أيضا من 5.4 في المئة 2022 إلى 3.2 في المئة هذا العام، قبل أن يرتفع إلى 3.5 في المئة 2024. وفي الدول المصدرة للنفط، قد يؤدي تخفيض الإنتاج وفق اتفاقية "أوبك+"، إلى تراجع إيرادات النفط الكلية.

وستتواصل التحديات في الدول المستوردة للنفط. حيث يمثل الدين العام مصدر قلق كبير، حيث تواجه عدة اقتصادات في المنطقة ارتفاعا في نسب الدين إلى إجمالي الناتج المحلي، التي تقارب 90 في المائة في بعض الاقتصادات.

وللعام الرابع على التوالي، من المتوقع أن يتجاوز التضخم في المنطقة 10 في المئة. وهو ما يزيد على المتوسط العالمي. وفي اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات منخفضة الدخل في المنطقة، يعكس ذلك التداعيات الممتدة لارتفاع أسعار الغذاء، وانخفاض أسعار الصرف في بعض الحالات. وحسب التوقعات، سيتراجع التضخم تدريجيا مع استقرار أسعار السلع الأولية وتحقق الأثر المرجو من تشديد السياسة النقدية وسياسة المالية العامة. ونتوقع استمرار دول مجلس التعاون الخليجي في احتواء التضخم.

هناك عدة مخاطر تستدعي القلق في المنطقة أيضا. فالحرب الروسية في أوكرانيا والكوارث المناخية قد تؤديان إلى تفاقم عجز الغذاء في الدول الأكثر عرضة للمخاطر. ويضاف إلى ذلك الارتفاع المزمن في معدلات البطالة، ولا سيما بين الشباب، ما يضعنا أمام خطر هائل يهدد الاستقرار الاجتماعي.

لكن وسط كل ذلك، يمكن أن تؤدي زيادة تشديد الأوضاع المالية العالمية أو المحلية، إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض، بل نقص التمويل في بعض الحالات. ومن شأن تأخر الإصلاحات المحلية الملحة أن يفرض عبئا على الآفاق الإقليمية والموارد الحكومية، حيث أنّ تطور المجتمعات وبناء الحضارات قائم بالأساس على قطاع الابتكار الفاعل والمتنوع، وأنه لا سبيل إلى تحقيق قفزات تنموية واقتصادية وصناعية شاملة ذات أثر واضح ومستدام دون توفير البنية والبيئة المواتية لذلك.

إحصل على اشتراك سنوي في النشرة الاقتصادية العربية الفصلية

اشترك الآن