ايار (مايو) 2018

  • 1 - 31 مايو 2018

المشاريع الصغيرة والمتوسطة ودورها في خطط التنمية الاقتصادية العربية

تحتل المشروعات الصغيرة والمتوسطة مكانة كبيرة في خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية لدى الدول المتقدمة، كذلك أصبح الاهتمام بالمشاريع المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر هدفاً للكثير من الدول النامية وحتى الصناعية، لقدره هذه المشاريع على زيادة النمو وخلق فرص عمل خصوصاً للشباب.
وتشير دراسة صادرة عن مؤسسة التمويل الدولية (IFC) إلى أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة (الرسمية) تساهم في 33% من الناتج المحلي الإجمالي للاقتصادات النامية، كما أنها تساهم بما يصل إلى 45% من فرص العمل. وترتفع هذه الأرقام بشكل ملحوظ عند إضافة المشروعات الصغيرة والمتوسطة العاملة في القطاع غير الرسمي. أما في البلدان ذات الدخل المرتفع، فتساهم المشروعات الصغيرة والمتوسطة بحوالي 64% من الناتج المحلي الإجمالي، وتؤمن 62% من فرص العمل.
وفي الواقع، فإن غالبية مؤسسات الأعمال في المنطقة العربية هي إما مشروعات متناهية الصغر، صغيرة، أو متوسطة الحجم. ويقدر عددها بما بين 19 إلى 23 مليون مؤسسة (رسمية وغير رسمية)، وتشمل ما بين 80 إلى 90% من إجمالي الأعمال في معظم البلدان العربية.
وبحسب دراسة لـ "الإسكوا"، تشكل المشروعات الصغيرة والمتوسطة أكثر من 99% من جميع مؤسسات القطاع الخاص غير الزراعي في مصر. وفي الكويت، تشغّل تلك المشروعات 90% من القوى العاملة في القطاع الخاص. وفي لبنان، تشكل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة أكثر من 95% من عدد المؤسسات وتؤمن نحو 90% من الوظائف. وفي الإمارات العربية المتحدة، تمثل الشركات الصغيرة والمتوسطة حوالي 94% من المشروعات الاقتصادية في البلاد وتوظف حوالي 62% من القوى العاملة.
وهكذا، تلعب المشروعات الصغيرة والمتوسطة دوراً رئيسياً في اقتصادات العالم العربي. ولكن محدودية فرص الحصول على التمويل يمنع تلك المشروعات من إطلاق إمكاناتهم الكاملة، وتعزيز النمو الاقتصادي، وخلق فرص العمل التي تشتد الحاجة إليها .
ولا شك في أن توافر التمويل يعتبر عاملاً في غاية الأهمية بالنسبة لأي شخص يريد تأسيس مشروع صغير أو متوسط، خصوصاً بين الشباب الذين يملكون الكثير من الحماس والاندفاع. ويزداد الأخير عندما يكون القرض من دون ضمانة أو كفالة. وقد يؤدي هذا الحماس إلى غض النظر عن أهمية العوامل الأخرى التي تلعب دوراً حاسماً في نجاح المشروع أو فشله، وفي مقدمها جدوى المشروع. وهذا يعني أن الحصول على قرض يتطلب تقديمه على أساس دراسة جدوى تبين أن المشروع له مستقبل تسويقي في المكان الذي يراد إنشاؤه فيه، وأن لا مشاريع مشابهة قائمة تعاني من ضعف الطلب عليها.
وعانت دول عدة نامية ولا تزال من هذه المشكلة، إذ يتم الاقتراض لافتتاح مشروع صغير من دون دراسة جدية لجدواه في المكان الذي يراد القرض لأجله، وإذ بالمقترض يفاجأ، بعدما يبدأ المشروع، بأن في الشارع ذاته أو المنطقة التي افتتح فيها مشروعه، مشاريع سبقته تنتج الشيء ذاته وتعاني أصلاً من ضعف الطلب عليها. ولأن غالبية الذين يلجأون إلى تأسيس مشاريع صغيرة ومتوسطة وحتى متناهية الصغر هم من المبتدئين اللذين لم يمارسوا نشاطات ناجحة في السابق، فإن مساعدتهم لا تكون بتوفير التمويل بشروط معقولة فقط، وإنما هم بأشد الحاجة إلى المعونات الفنية.
وتشير تجارب الدول التي نجحت في تكوين قطاع مستدام للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، إلى أهمية المعونات الفنية التي ترشد أصحاب المشاريع إلى كيفية زيادة تنافسيتهم والاهتمام بالجودة والمحافظة على البيئة. ولأن المشاريع الصغيرة والمتوسطة لا يفترض بها أن تعمل للسوق المحلية فقط وإنما أن تكون لها أهداف تصديرية، تزداد الحاجة هنا إلى المعونات الفنية. وهناك الكثير من المنظمات الدولية والإقليمية التي تمتلك الخبرة الطويلة في هذا المجال وتمكن الاستعانة بها. كما أظهرت تجارب الدول التي نجحت في هذا النوع من المشاريع، أن التكامل بينها، أي عندما يصب إنتاج بعضها في البعض الآخر، يجعلها أكثر استدامة مما لو تبقى مشاريع منفردة لا يرتبط بعضها ببعض.
من هذا المنطلق، يبدو أن تكوين قطاع ناجح ومستدام للمشاريع الصغيرة والمتوسطة يزيد الإنتاج المحلي ويخلق فرص عمل، ويمثل استراتيجية تنمية ولا يمكن تركه لمبادرات فردية أو أكاديمية، ولقيام مصارف بتوفير تمويل بشروط سهلة. ولكن يجب أن يقوم على مجموعة سياسات تنفذها الحكومة كحزمة واحدة لا كسياسات متفرقة قد تنتهي بمناهضة بعضها للبعض الآخر.