نظمت غرفة التجارة العربية النمساوية، ندوة افتراضية تناولت المصاعب الاقتصادية التي يواجهها العالم في ظل انتشار فيروس كورونا المستجد، والجهود الطبية الحثيثة المبذولة لإيجاد علاج له، والتحديات التي تواجه العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري بين الدول العربية والأوروبية في زمن كورونا.
وشارك في الندوة شخصيات رفيعة المستوى عربيا وأوروبيا في المجالين الطبي والاقتصادي، وهم البروفيسور جوزيف بيننغر، مكتشف علاج مرض السارس، والذي يطور حاليا مع فريقه علاجا لفيروس كورونا، والسيناتور ريتشارد شينتس، رئيس غرفة التجارة العربية النمساوية ونائب رئيس الغرفة الاقتصادية الاتحادية النمساوية، ودكتور كريستوف لايتل، رئيس الغرفة الاقتصادية الأوروبية، ودكتور خالد حنفي، الأمين العام لاتحاد الغرف العربية، والدكتور باسل الخطيب، ممثل مدير منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (يونيدو).
واكد العالم النمساوي جوزيف بيننغر، الذيزيعكف مع فريقه من الباحثين والأطباء في كل من كندا والنمسا، على إهداء العالم علاجا لفيروس كورونا قبل نهاية العام، على ضرورة عدم الاستهانة بمرض انتشر سريعا بين البشر منتقلا من الحيوان، مشيرا إلى أن حالات مرضية كثيرة أصابتها انتكاسة بعد أن تماثلت للشفاء، وهو ما يوضح التحور الذي يقوم به الفيروس.
ولفت بيننغر إلى أهمية تضافر الجهود الدولية في مجال البحث العلمي، و العمل على الارتقاء بمستويات الأبحاث الطبية، لأن ما يشهده العالم حاليا لن ينتهي بانتهاء كورونا؛ حيث من الممكن أن تظهر فيروسات أخرى، وهو ما يستدعي تسلحا علميا طبيا جادا، يمكن من خلاله للعالم مواجهة أي تحديات مستقبلية مشابهة.
وأعرب بيننغر عن أمله أن يتمكن هو وفريقه من توفير العلاج المناسب لفيروس كورونا قبل انتهاء العام الجاري، مؤكدا أنه تم بالفعل قطع شوط كبير نحو تحقيق هذا الهدف.
من جانبه أثنى رئيس غرفة التجارة العربية النمساوية، السيناتور دكتور ريتشارد شينتس على الاجراءات الاحترازية التي اتخذتها دولة النمسا في وقت مبكر، وهو ما أسهم في تحجيم سرعة انتشار المرض بين المواطنين وتقليص الوفيات وأعداد المصابين.
كما نوه شينتس بالجهود التي بذلتها الحكومة، متمثلة في حزم ضخمة للإنعاش الاقتصادي وتلافي انهيار ات اقتصادية واجتماعية جراء الجائحة. واستفاد من تلك التدابير الاقتصادية الآلاف من الشركات على اختلاف أنواعها، والآلاف من العمال والموظفين في جميع قطاعات الدولة.
وأوضح شينتس أن من بين الاجراءات التي قامت بها النمسا لدعم الاقتصاد، تم ضخ المليارات كدعم مباشر للشركات، سواء بمساعدات مالية مباشرة أو تيسيرات ضريبية وتأمينية، وكذلك تسهيلات في منح القروض وتيسير سدادها. كذلك خففت الحكومة الاعباء عن كاهل الشركات والمؤسسات الاقتصادية من خلال نظام تقليص ساعات العمل للعمال والموظفين، مع تحملها دفع ما يصل إلى نسبة 90% من الدخل المعتاد للموظفين قبل الجائحة، وهو ما شكل تخفيفا قياسيا لأعباء كان سيتحملها أرباب العمل.
وفيما يتعلق بالتاثيرات السلبية لجائحة كورونا على الاقتصاد العالمي، أكد رئيس الغرفة الاقتصادية الأوروبية، دكتور كريستوف لايتل على أن قطاع الخدمات أصيب بشلل تام في جميع دول العالم، بسبب إقدام الدول على إغلاق حدودها ووقف نشاطات المطاعم والفنادق ووصول التدفق السياحي إلى الصفر.
وأعرب لايتل، الذي تقدم مؤسسته المشورة لنحو 20 مليون شركة أوروبية، عن تقديره للتدابير الاحترازية التي اتخذتها دول العالم، وما زالت سارية في معظمها مع تفاوت في درجة تخفيف الإجراءات من دولة إلى أخرى، غير أنه أشار إلى أن حركة التجارة العالمية تحتاج حرية، وتتطلب إزالة للعوائق ورفع العراقيل ضمانا لتحقيق الانفتاح واستعادة الأسواق العالمية لعافيتها.
وأشاد لايتل بالعلاقات الاقتصادية العربية الأوروبية، معتبرا أن الدول العربية جار مباشر للاتحاد الأوروبي، وتعزيز أواصر التعاون فيما بينهما يعود بالنفع على جميع الأطراف؛ خاصة في ظل التحديات التي يشهدها الاقتصاد العالمي. وعلى صعيد آخر لفت لايتل إلى أن الجائحة ألقت بظلال كثيفة على الاقتصاد الأوروبي؛ حيث تضرر نحو 140 مليون عامل وموظف من الإجراءات التي عمت دول الاتحاد الأوروبي، غير أنه في الوقت ذاته فقد أسهمت التوصيات التي رفعتها الغرفة الاقتصادية الأوروبية للحكومة النمساوية، في تخفيف آثار الأزمة على القطاع الاقتصادي النمساوي.
وتناول الامين العام لاتحاد الغرف العربية، الدكتور خالد حنفي، التأثيرات التي ألقتها جائحة كورونا على البلدان العربية، مشيرا إلى التباين في تعامل الدول العربية مع الجائحة كل حسب ظروفه الداخلية. وأكد حنفي على أن فيروسكورونا المستجد شكل وما بزال تحديا كبيرا للاقتصادات العربية، كبقية دول العالم، ويزيد على ذلك التراجع غير المسبوق في أسعار النفط العالمية، وهو ما أدى إلى لجوء عدد من الدول العربية إلى إجراءات عاجلة للحد من التأثيرات السلبية للأزمة، وفي الوقت ذاته تقديم تسهيلات متنوعة للحفاظ على حركة الاقتصاد وحمايتها من أي تقلبات مفاجئة.
وأشار حنفي إلى أن جائحة كورونا دفعت إلى إحداث تغييرات على سلسلة الإمداد العالمية، ولم تكن الدول العربية بمعزل عن هذا التطور. وأكد في هذا الصدد على أن الموقع الاستراتيجي للدول العربية على الخارطة العالمية، يجعلها نقطة اتصال محورية بين أوروبا وأفريقيا وآسيا، داعيا الدول الأوروبية إلى مزيد من الانفتاح باتجاه المنطقة العربية لتحقيق الإفادة من هذه الميزة، إضافة إلى الخبرة التي تتمتع بها الدول العربية في التعامل مع بيئتها الافريقية والآسيوية.
بدوره لفت ممثل المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (يونيدو)، والمدير الإقليمي للمنطقة العربية بالمنظمة، الدكتور باسل الخطيب، إلى أن جائحة كورونا أظهرت اعتماد دول العالم على بعضها البعض لسد مواضع النقص لديها، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن الأزمة العالمية التي خلفتها الجائحة التي جاءت بين عامي 2020 و2030، وهي الفترة التي كانت الأمم المتحدة ودول العالم، تخطذ أن يكون عقد الفعل والإنجاز في مجال التنمية المستدامة عالميا، غير أن انتشار المرض فرض إعادة النظر في ترتيب الأولويات، حتى يتم التمكن من معالجة الأزمة من جميع جوانبها الصحية والاجتماعية والاقتصادية.
وأكد الخطيب على أن جميع المنظمات التابعة للأمم المتحدة، ومن بينها يونيدو، تعمل بجهد من أجل معاونة الدول الأعضاء في تجاوز آثار جائحة كورونا، يقينا من أن هذه الأزمة ليست أزمة صحية وحسب، بل تتجاوز آثارها لتشمل تبعات اجتماعية واقتصادية.
من ناحيته أشار الأمين العام لغرفة التجارة العربية النمساوية، المهندس مضر الخوجه، إلى أن مصطلح الأمن القومي يشهد في ظل جائحة كورونا تغييرا في تعريفه وتطويرا لمفهومه؛ حيث لم يعد التسلح والشأن العسكري هو وحده المسيطر على فكرة الأمن القومي لدولة ما، بل حدث ترتيب جذري في أولويات الأمن القومي ارتقى معه البحث العلمي الطبي إلى مكان الصدارة؛ حيث تتجه أنظار العالم بأسره إلى أصحاب المعاطف البيضاء راجين لديهم أملا في خروج وشيك من نفق كورونا، الذي دلف إليه العالم جاهلا موعد خروجه منه.
واعتبر الخوجه أن الإمدادات الطبية والأجهزة الطبية صارت هي صاحبة الحظوة عندما يتم الحديث عن الأمن القومي. لافتا إلى أن مواجهة عدو خفي فتاك يستدعي التسلح بالعلم والمعرفة، فيما يتراجع اللجوء إلى السلاح والتسلح إلى ذيل قائمة الأولويات العالمية.
وأكد الخوجه على الكلمات المفتاحية التي وردت على لسان المتحدثين في المؤتمر، والمتمثلة في الانفتاح، والثقة، والأمل، والتضامن بين الحكومات والمجتمعات والشعوب؛ حتى يمكن للعالم أن يتجاوز أزمة كورونا.
وشهد المؤتمر نقاشا وتبادلا للأفكار حول الأوضاع العالمية في ظل كورونا؛ حيث ذكر دكتور ريتشارد شينتس أن نحو 40% من الشركات النمساوية قد تتعثر جراء الجائحة، وهي النسبة التي تحاول حزم الإنعاش الاقتصادي الحكومية تقليصها والتخفيف من الآثار السلبية الناجمة عن تعثر هذه الشركات.
وحول سيولة التعاون بين الدول العربية والأوروبية، أكد الدكتور خالد حنفي على ضرورة الانفتاح من الجانب الأوروبي، فيما أشار الدكتور كريستوف لايتل إلى أن الإقدام على اتخاذ خطوات مناسبة في الوقت المناسب ربما يكون أمرا ذا أهمية كبيرة.
وفيما يتعلق بالأوضاع في كل من لبنان والعراق في ظل جائحة كورونا، قال الدكتور باسل الخطيب إن ما يشهده لبنان من أوضاع مالية صعبة قبل الجائحة يشكل تحديا كبيرا في وجود أزمة كورونا أيضا، في الوقت الذي تسعى الحكومة اللبنانية إلى تخفيف الأعباء عن كاهل الاقتصاد وتوفير السيولة المطلوبة لاستمرار الحركة داخل المجتمع.
واوضح الدكتور خالد حنفي أن عمليات إعادة الإعمار في العراق تأثرت سلبا بسبب الأوضاعالمترتبة على جائحة كورونا والتراجع الكبير في أسعار النفط، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن إعادة الإعمار ما زالت ورغم ذلك، أولوية لدى العراق.
وفي هذا الصدد لفت المهندس مضر الخوجه إلى أن الحكومة العراقية بقيادة مصطفى الكاظمي، حظيت بموافقة البرلمان، لتكون الحكومة الأولى التي اسندت فيها عدد من الحقائب السيادية في وقت قصير ، وهو ما يؤشر على عزم الحكومة على تحقيق إنجازات في المرحلة المقبلة.
المصدر (غرفة التجارة العربية- النمساوية، بتصرف)