تشرين الثاني (نوفمبر) وكانون الاول (ديسمبر) 2022

  • 1 نوفمبر - 31 ديسمبر 2022

الصين والبلدان العربية.. شراكة نحو المستقبل

 

جاءت القمة العربية – الصينية التي عقدت في الرياض في وقتٍ يشهد العالم فيه تحولاتٍ وصراعاتٍ سياسية واقتصادية كبيرة، كما أتت تزامناً مع عبور العديد من البلدان العربية مرحلة سياسية صعبة، لذلك اكتسبت المشاركة العربية البارزة في القمة أهمية خاصة، بوصفها مناسبة لمشاركة الرؤى المشتركة، وكذلك فسح مجال كبير جداً للتعاون والاستثمار المشترك لجميع الدول المشاركة في هذه القمة.

إنَّ الإدارة الحديثة للاقتصادِ ينبغي أن تكون محور عملِ الحكومات العربية قاطبة، حيث أنَّ بناءَ اقتصادٍ قوي قادرٍ على تحقيقِ التغييرِ النوعي المنشود، ينبغي أن يرتكزُ في الأساس على استثمارِ إبداعاتِ الطاقاتِ الشابة الهائلة، وخلقِ فرص استثمارية كبيرة تُنتج فرصَ عملٍ متنوعة، خصوصا وأنّ البلدان العربية تمتاز بأنَّ النسبة الكبرى من سكانها هم من الشباب.

إنّ الاستثمارِ ضمن بيئة آمنة، يُسهمُ في تقوية وتحسين أُسسِ التعاونٍ مع دولِ العالم على مبدأِ حماية المصالحِ الاستثمارية المشتركة، وهذا لا يكون إلا عبرَ الاستثمار الأمثل لمواقع بلداننا العربية الجغرافية، ومدَّ اليدَ لشراكاتٍ حقيقية راسخة مع اتجاهات العالم المختلفة.

ينبغي أن تكون منطقتنا العربية مساحة تلاقٍ وتكاملٍ بين الشرق والغرب، والشعوب الحيَّة والأمم الواعية قادرة على ذلك.

لا شكّ أنّ التعاونُ التجاري مع الصين هو من المسلَّمات، ولكن يجب أن نتطلَّع إلى اقتباس تجاربها الناجحة في مجالات مثل مكافحة الفقر، حيث انتشلت مئاتِ الملايين من مواطنيها من خط الفقر، ومحاربة التصحّر والتغيير المناخي والانتقال من اقتصاد الدولة إلى اقتصاد السوق

وإننا من هذا المنطلق، واستنادا إلى ما رشح عن القمة من مقررات هامة، فضلا عن توقيع اتفاقيات استثمارية ضخمة بين العديد من البلدان العربية والصين، نؤمن بأنَّ هذه القمة شكّلت دعوة صريحة للتكامل الاقتصادي والاستثماري بين البلدان العربية مع دول الجوار، بالاستفادة من الخبرة الصينية في مجال التكامل مع دول العالم اقتصادياً.

هذه التجربة الاقتصادية يمكن من خلالها خلقُ حالة من التكامل الاقتصادي العربي، بالاستفادة من وجودِ الشريك التجاري الصيني، لوضع اقتصادٍ عربي مستدام ومتكامل، عبر تبادل الفرص التجارية والاستثمارية والمعلومات التكنولوجية.

يجب أن تؤمن حكوماتنا العربية بأنَّ الموقع الجغرافي الاستراتيجي للبلدان العربية وعمقَها وإرثها التاريخي وثقلَها الإقليمي ووفرة مواردِها وتأثيرَها في اقتصاد العالم، يمنحها الحقَ بلعب دورٍ كبير يمثل حجمَها الحقيقي لإقامة أفضل العلاقـات مع الدول، على أساس المصالح المتبادلة والتكاملية مع دول الجوار والدول الصديقة.

باختصار فإنّه ليس من المبالغة تسمية القمم التي عقدت خلال زيارة الرئيس الصيني إلى المملكة العربية السعودية بالقمم التاريخية، فهذه الأحداث هي ما تصنع المستقبل للمنطقة، والشراكات التي تُبنى على احترام متبادل بين الدول، وعلى المصالح المشتركة التي تحقق المكاسب لجميع الأطراف، هي ما يمكن أن يعوّل عليها في وقت تتزايد فيه النزاعات بسبب اختلاف القيم

إنّ وجود هذه المصالح الاقتصادية داعم مهم للاستقرار، وهو الطريق الأمثل نحو تكامل الدول وخلق نظام يحقق الازدهار ورفاهية الشعوب. ويمكن القول إن هذه القمم نجحت في رسم خريطة الطريق للعلاقة بين الصين والدول العربية خلال السنوات القادمة، بما يحقق مصالح الجميع، ويحترم في ذلك الوقت سيادة هذه الدول وقيمها.

إحصل على اشتراك سنوي في النشرة الاقتصادية العربية الفصلية

اشترك الآن