الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والحرف اليدوية

  • نظرة عامة عن الاتحاد

    تأسس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية في 17 جانفي (كانون الثاني) سنة 1947 ومنذ ذلك التاريخ كان المنظمة الوطنية الاولى والوحيدة التي تمثل اصحاب المؤسسات وأصحاب المشاريع والأعمال وتضم كل  الهياكل المهنية في جميع القطاعات الاقتصادية غير الفلاحية صناعة، تجارة، صناعات تقليدية مهن ومسدي خدمات.

    ومنذ نشأته حدد الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية هدفه وهو توحيد جهود المؤسسات الخاصة وهيكلتها جهوباً وقطاعياً حتى يكون صوتها مسموعاً وتنضوي تحت لواء الاتحاد اليوم عشرات الآلاف من المؤسسات تشمل كل الانشطة الاقتصادية. ويتكون هذا النسيج المؤسساتي بالأساس من المؤسسات الصغرى والمتوسطة. ويضم أكثر من 25000 مسئولاً نقابياً.

    والتزم الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية عبر كل مراحله التاريخية بخدمة الاقتصاد الوطني والدفاع عن المؤسسة وتنميتها.

     

    مهام الاتحاد

    دور الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية هو دعم وتعزيز وتنشيط القطاع الخاص والاتحاد هو المخاطب الرسمي باسم  القطاع الخاص مع السلط العمومية. ويتمثل هذا الدور بالأساس في:

    • تجميع المؤسسات الاقتصادية التونسية الخاصة وتكوين شبكة مهنيين موسعة يكون لها تأثير في تطوير القطاعات الاقتصادية المختلفة.
    • التشجيع على الاستثمار والابتكار وخلق الثروة وذلك من خلال وضع استراتيجية وبرنامج عمل يهدف الى تحسين المناخ الاقتصادي والاجتماعي.
    • مرافقة المؤسسات من خلال توفير النصيحة والدعم والمعلومة.
    • تمثيل المؤسسات امام السلطة العمومية والدفاع عن مصالحهم أثناء المفاوضات الاجتماعية.
    • تنشيط الاقتصاد التونسي وذلك بالمشاركة الفعالة مع سلطة الاشراف في سنّ ووضع سياسة اقتصادية واجتماعية مناسبة لخلق النمو وتطوير  العوامل الاقتصادية المختلفة.
    • النهوض بصورة البلاد في الخارج وتطوير الشراكة الدولية.

     

    مبادئ الاتحاد

    الالتزام: يلتزم الاتحاد تجاه كل المؤسسات المنتمية له ومهما كان حجمها ونوعية نشاطها ومكانتها بالدفاع عن مصالحها والعمل على التطوير من اجل اقتصاد قوي ومستقر.

    الإنصاف: يقوم الاتحاد بدور المنظم والمعدل من اجل اقتصاد عادل وتنمية مستدامة وذلك عبر خلق معنى الانصاف في العلاقات الاقتصادية حتى يسودها التوازن والاعتراف بالحقوق.

    الاخلاقيات: يبني الاتحاد علاقاته مع شركاءه والمنتمين له على أساس القيادة الحكيمة والمسئولة والمندمجة التي تتماشى مع مبادئه وقيمه كما يعمل على تعزيز العمل الاجتماعي داخل المؤسسة وتثمينه.

    الشفافية: اختار الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية ان يجعل الشفافية قيمة اساسية داخل المنظمة وذلك على حد السواء، سواء في الداخل وفي العلاقات بين الاعضاء او حتى مع الشركاء.

     

    الرؤية

    تتركز رؤية الاتحاد على المحاور  التالية:

    • العمل من اجل تثمين قيمة العمل في المجتمع التونسي وتشجيع روح المبادرة حتى تكون هذه القيم من ركائز المجتمع التونسي.
    • الاستعداد للدفاع عن قوانين اقتصادية وجبائية تعتمد نظاماً تحفيزياً وسياسة تمويلية تعزز النمو والاستثمار وبعث المؤسسات وتقاوم الاقتصاد الموازي.
    • العمل على إيجاد إستراتيجية استباقية وفعالة لتنويع الأسواق وتعزيز موقع تونس والعمل على ان تجد المؤسسة الاقتصادية وفي كل جهات البلاد بنية تحتية صناعية ونقل وخدمات لوجستية واتصالات وفق المعايير الدولية.
    • العمل على تقريب الجهات من اجل تماسك اجتماعي وتنمية افضل في كل الجهات ومقاومة ناجعة لكل اشكال التفرقة الجهوية  وحث كل جهة على  ابراز كل الامكانيات المتوفرة فيها لاستقطاب المستثمرين.
    • تحويل الادارة الى عامل تنافسية في الاقتصاد التونسي وذلك من خلال تجديد خدمات  المصالح الادارية العمومية وتطوير خدمة المتابعة والتقييم والقيام بالإصلاحات والسهر على جودة الخدمات.
    • اضفاء المزيد من الوضوح والانسجام  على المناخ الاجتماعي وذلك من خلال تحديد سياسة تأجير جديدة ووضع نظام حماية اجتماعية فعال ودائم وخلق نموذج جديد للعلاقات الشغلية يجمع بين التحسين المستمر للقدرة التنافسية للمؤسسة والعمل اللائق وخلق مواطن الشغل.
    • التشجيع على اقتصاد يتميز بخلق القيمة المضافة والتجديد عبر تقوية الارتباط بين انظمة التكوين المهني والتعليم العالي والمحيط الاقتصادي والتواصل بينهم وتمكين اغلب المواطنين من المهارات الاساسية من خلال نظام تربوي وتعليمي متطور وريادي في نتائجه.

     

    الأنشطة والخدمات

    المستوى الاقتصادي

    جعل الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية من دوره الاقتصادي رافعة حقيقية لدعم القطاع الخاص وتعزيزه. وتقوم الادارة المركزية المكلفة بالاقتصاد في الاتحاد  بجمع وتحليل ونشر المعطيات المتعلقة بالوضعية الاقتصادية في مجال الصناعة والتجارة والتعليم العالي والبحث العلمي والتكوين المهني والوضع البيئي. ويتم بعد ذلك التعمق في هذه الارقام والتقارير والمؤشرات  وتحليلها  من أجل متابعة مستمرة لنمو المؤسسات وتنافسيتها.

    وقد قام الاتحاد بتنظيم العديد من الأنشطة والإجراءات الرامية الى تحسين المناخ الاقتصادي والمؤسساتي للشركات كما تم تنظيم العديد من المؤتمرات والندوات والملتقيات للنقاش وتبادل الاراء والخبرات وتقديم الاقتراحات والتوصيات.

     

    المستوى الاجتماعي

    على المستوى الاجتماعي يتدخل الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية عبر الادارة المركزية للشؤون الاجتماعية التابعة له في عدة محاور منها:

    المفاوضات الاجتماعية، التشريع الاجتماعي، الاستشارات القانونية، مجالس النزاعات الشغلية، تسوية الخلافات، المساعدة والنصح، المعالجة الثلاثية لملفات المساعدة الفنية، ملفات التشغيل.

     

    المستوى الدولي

    تسعى الادارة المركزية للعلاقات الدولية بالاتحاد لتعزيز حضور المؤسسات التونسية في الخارج وتتمحور مهمتها في ثلاثة انشطة هي:

    • المرافقة والتوجيه
    • ربط العلاقات
    • الدعم والنصيحة

    وتمثل الادارة المركزية للعلاقات الدولية بالاتحاد اداة التنمية الحقيقية في الخارج ومنصة اساسية لـ:

    •  خلق الاتصالات وبناء العلاقات وإيجاد الشركاء المناسبين.
    • الاستفادة من المعطيات والبيانات عن الاسواق الخارجية ذات الصلة.
    • دعم حضور المؤسسات التونسية في الاسواق الناشئة وذات النمو المرتفع.
    • تحسين صورة تونس لدى المستثمرين الاجانب.

    كما ان الاتحاد ممثل على المستوى الخارجي بثلاثين مجلس اعمال ثنائية ومن خلال اكثر من خمسين لقاء سنوي يتم تنظيمه مع مسئولين حكوميين ورؤساء مؤسسات اجنبية في تونس والعالم.

    وتحظى المؤسسات الاجنبية المنتصبة في تونس باهتمام كبير من الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية وقد تم بعث قسم صلب المنظمة مهمته تقديم الخدمة للمستثمرين الاجانب في تونس او المستثمرين الذين ينوون الاستثمار من اجل مرافقتهم ومساعدتهم ليس فقط على المستوى الاجتماعي بل على المستوى الاقتصادي والإداري.

     

    العلاقات والتحالفات

    وفي اطار برنامج انشطته ومهامه في تطوير المؤسسات ينظم الاتحاد بالإضافة الى المعارض والمنتديات والندوات بصفة منتظمة لقاءات ثنائية بين اصحاب المؤسسات من اجل ربط العلاقات وتنمية الاعمال. وتكون هذه اللقاءات على المستوى القطاعي من اجل النقاش وتبادل الخبرات والانطلاق في مشاريع في قطاع محدد. ويمكن ان تكون هذه اللقاءات جهوية او وطنية او دولية.

    كما تم ايضا تنظيم العديد من مهمات الاعمال الى الخارج سواء في اطار شراكات او بهدف استغلال اسواق جديدة او اكتشاف فرص جديدة للأعمال.

     

    الهياكل

    بقيادة هياكل قرار وبدعم من لجان مختصة يقوم الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية بالمرافقة والتنسيق والتعبئة مع كل منخرطيه في كل الهياكل الجهوية والمهنية كما تمثل هياكل الاتحاد عامل مهم للاندماج والتنمية الاقتصادية ودعم وتطوير الانشطة وتنمية المؤسسات على المستوى الجهوي وفي السوق الوطنية والدولية.

    ويعطي التنظيم الهيكلي للاتحاد التمثيل القطاعي على مستوى الجامعات والغرف النقابية الوطنية وكذلك ايضاً قرباً جغرافياً من خلال الاتحادات الجهوية والمحلية.

    والاتحاد ممثلاً في 18 جامعة و24 اتحاداً جهوياً و216 اتحاداً محلياً و370 غرفة نقابية وطنية و1700 غرفة نقابية جهوية.

     

    الهياكل  المقررة

    المؤتمر الوطني

    المؤتمر هو السلطة العليا في الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، ينتظم كل خمس سنوات وله أحقية واسعة في تحديد التوجهات والأهداف والأنشطة والتنظيم وطرق الرقابة الداخلية لكل الهياكل.

      

    المكتب التنفيذي

    يضم 31 عضوا منتخبين من المؤتمر الوطني وفق تمثيلية قطاعية محددة ويجتمع مرة كل شهر. ومن بين المهام الموكلة للمكتب التنفيذي تنفيذ قرارات المؤتمر الوطني.

     

    المجلس الوطني

    يتكون المجلس الوطني من أعضاء المكتب التنفيذي ورؤساء الجامعات ورؤساء الاتحادات الجهوية ورؤساء الغرف النقابية الوطنية ورؤساء المجالس القطاعية الجهوية ورئيس مركز المسيرين الشبان والمنظمات المهنية المتعاقدة بخطة ملاحظ. ويجتمع على الاقل مرة في الستة اشهر.

    ومن مهام المجلس الوطني مناقشة ميزانية الاتحاد وتحديدها وصياغة التنقيحات والتعديلات على القانون الداخلي للاتحاد وكذلك يحدد التوجه العام لنشاط المنظمة.

     

    المجلس الاداري

    يتركب من اعضاء المكتب التنفيذي ورؤساء الجامعات الوطنية ورؤساء الاتحادات الجهوية ويتابع تقارير هيئات الرقابة كما يؤمن التنسيق بين الهياكل القطاعية والجهوية والمكتب التنفيذي.

     

    الرئيس: سمير ماجول

     

    اللجان

    بالاتحاد ست لجان فنية للتفكير من اجل بلورة استراتيجيات جديدة للتنمية وهذه اللجان هي اللجنة الاقتصادية واللجنة الاجتماعية ولجنة التنمية الجهوية ولجنة الجباية ولجنة التشريع ولجنة العلاقة مع الجامعة والبحث العلمي.

    وهذه اللجان هي قوة اقتراح من اجل الاصلاحات الهادفة لتحسين مناخ الاعمال وتنافسية المؤسسات التونسية.

     

    الجامعات

    بالاتحاد 18 جامعة مهنية وطنية مهامها الاساسية هي:

    • التفاوض والدفاع عن مصالح منظوريها امام كل المتدخلين. 
    • مساعدة المؤسسات وتحسيسها بالمشاركة وتطوير سياسات التنمية في قطاعاتهم.
    • اعداد الملفات الفنية القطاعية.
    • المشاركة الفعالة في الانشطة الشراكة المتعلقة بمجال انشطتهم.

     

    الاتحادات الجهوية

    بالاعتماد على التقسيم الاداري الجهوي يكون الهدف الاساسي للاتحاد الجهوي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية في اي جهة هو تجميع الاتحادات المحلية والغرف الجهوية من اجل التنسيق لأنشطتها ودعم نشاطاتها وجهودها.

    ويضم الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية 24 اتحاداً جهوياً تغطي الانشطة الاقتصادية في ولاياتها وتؤمن تواصلاً دائماً مع هياكلها الجهوية والمحلية وكذلك مع السلطة والمصالح الادارية الجهوية.

     

    مركز المسيرين الشبان

    تم احداث مركز المسيرين الشبان التونسي سنة 1998 بالتعاون مع مركز المسيرين الشبان الفرنسي وذلك بهدف اعداد المؤسسة التونسية الشابة لرفع تحديات العولمة. وللمركز مهام اساسية هي:

    • جمع الباعثين الشبان سواء مالكين لمؤسساتهم او اطارات مسيرين في انشطة تطوعية من اجل انجاح انشطة مركز المسيرين الشبان ومؤسساتهم والاقتصاد الوطني.
    • تكوين المسيرين الشبان والتجديد من خلال خلق فضاء للإبداع وتبادل الخبرات .
    • تمثيل المسيرين الشبان للشركات كعنصر حوار وتفاوض والدفاع عن مصالحهم امام دوائر القرار.
    • تبني الشباب اصحاب الشهائد العليا وتأطيرهم من أجل بعث مشاريعهم  والمساهمة في نشر روح المبادرة في المؤسسات الجامعية.
    • تأمين التقارب بين المؤسسة والمدرسة بهدف مواصلة التأقلم  بين التكوين الجامعي وحاجيات سوق الشغل.

     

    غرفة النساء صاحبات المؤسسات

    تأسست الغرفة الوطنية للنساء صاحبات الاعمال سنة 1990 في صلب اتحاد الصناعة والتجارة وهي تجمع السيدات صاحبات المشاريع ورئيسات المؤسسات  في كل الانشطة والقطاعات من اجل تجميع الطاقات وتبادل الخبرات وكسر العزلة والطموح للمساهمة بشكل نشيط وفعال في الاقتصاد الوطني.

    تغطي غرفة النساء صاحبات المؤسسات كامل تراب الجمهورية وتهدف الى تعزيز روح المبادرات لدى السيدات وتحسين اداء الشركات التي تقودها النساء ودمج الاجيال الجديدة من صاحبات المشاريع في الحياة الجمعياتية.

     

    اهدافها

    • دعم اداء سيدات الاعمال.
    • تحديد الفرص الجديدة في الاسواق والتصدير والمبادلات التجارية.
    • تطوير شبكة المنخرطين من اجل استقطاب الجدد منهم.
    • تطوير العلاقات مع المنظمات الدولية المماثلة.

    الذكرى السبعون لتأسيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية

    سبعة عقود من النضال.. توّجت بجائزة نوبل للسلام

     

    يحتفل الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية يوم غد بالذكرى السبعين لتأسيسه، ويأتي الاحتفال بسبعينية الاتحاد الذي تأسس يوم 17 جانفي (كانون الثاني) 1947 في ظرف خاص من تاريخ تونس، خاصة مع الأحداث المتتالية التي عرفتها بلادنا في السنوات الأخيرة بعد 14 جانفي (كانون الثاني) 2011 وانطلاق بناء الجمهورية الثانية حيث كان  للاتحاد دوراً مهما في ذلك، صحبة المنظمات الأخرى المكونة للمجتمع المدني، وخاصة المساهمة في تجاوز الأزمة السياسية الخانقة التي عاشتها البلاد سنة 2013 ضمن الرباعي الراعي للحوار الوطني  وهو ما مكن من إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية سنة 2014، وليتوج الاتحاد ضمن الرباعي الراعي للحوار الوطني بجائزة نوبل للسلام سنة 2015.

     

    ولا يمكن بأية حال من الأحوال اختزال الأدوار التي لعبتها منظمة أصحاب الأعمال في فترة بعينها، حيث كانت حاضرة طوال السبعين سنة الماضية في الأحداث الجسام التي عرفتها بلادنا في فترة ما قبل الاستقلال من خلال «اتحاد نقابات الصنايعية وصغار التجار بالقطر التونسي»، إلى فترة ما بعد الاستقلال وبناء الدولة الحديثة، وصولاً إلى ثورة 14 جانفي (كانون الثاني) 2011 وانخراط الاتحاد في جهود بناء الجمهورية الثانية وتركيز أسس الديمقراطية وبناء اقتصاد وطني بحجم التحديات التي تعرفها بلادنا إلى اليوم.

    وسنستعرض اليوم في ملحق خاص بمناسبة الاحتفال بسبعينية الاتحاد أهم المراحل التاريخية التي حفت بنشأة هذه المنظمة العريقة إلى اليوم.. تاريخ حافل بالمصاعب، ولكن أيضا بالانجازات والنجاحات..

    التأسيس

    بالعودة إلى هذه الحقبة التاريخية التي حفت بنشأة الاتحاد والظروف الاقتصادية التي ألمت ببلادنا بعيد الحرب العالمية ندرك مدى صعوبة الوضع في ظل الإدارة الاستعمارية.

    ويصف الدكتور الهادي التيمومي هذا الوضع في كتاب «المغيبون في تاريخ تونس الاجتماعي: "لقد كان أمام صغار التجار والحرفيين ومتوسطيهم ـ وقد لغ السكين العظم ـ كما يقال خياران: أما الدفاع عن حقهم في الحياة أو الرضا بالنهاية المحتومة إلا أن إرادة الحياة كانت أقوى".

    وقد كانت سنة 1946 حاسمة حيث شهدت الانشقاق الذي حصل صلب «جامعة الصنايعية وصغار التجار بالقطر التونسي» في مارس (آذار) 1946 وبذلك انسحب المناضل المرحوم الفرجاني بلحاج عمار وأنصاره بسبب التعارض العميق بين نزعة الشيوعيين الأممية ونزعة المنشقين الوطنية.

    أما السبب المباشر فيعود أساساً إلى رفض المنشقين مشاركة الجالية الفرنسية المقيمة بتونس في الاستفتاء على مشروع الدستور المزمع إجراؤه آنذاك في فرنسا، ذلك أن المشروع الذي أعدته الجمعية التأسيسية في فرنسا قد نص في الفصل 41 على وجود فوارق بين تراب فرنسا لما وراء البحار من جهة والدول المشاركة لفرنسا من جهة ثانية واعتبر المنشقون أن تونس دولة مشاركة وليست ملحقة بترابها.

     

    المؤتمر التأسيسي للمنظمة الجديدة

    والتأم المؤتمر التأسيسي للمنظمة الجديدة التي بعثها المنشقون عن «جامعة الصنايعية» يومي 16 و17 جانفي 1947 واتخذت اسم «اتحاد نقابات الصنايعية وصغار التجار بالقطر التونسي«.

    والتأم المؤتمر بقصر الجمعيات بالعاصمة وحضر جلسته الافتتاحية المرحوم فرحات حشاد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل. وقد انتخب المرحوم محمد شمام رئيساً والمرحوم الفرجاني بلحاج عمار كاتباً عاماً للهيئة الجديدة. وكان هذا المؤتمر قد رفع شعار «اليوم ينهض الاقتصاد الوطني، اليوم يكتب له النجاح»  مجسماً عدة مطالب تضمنتها اللائحة العامة ومنها:

    • احتجاج المؤتمرين على السلطة الاستعمارية لعدم اعترافها بهذه المنظمة.
    • تمثيل الاتحاد في كافة لجان توزيع المواد المقسطة حتى يتسنى توزيعها بطريقة عادلة بين أصحاب الصناعات والقضاء على السوق السوداء.
    • منح الاتحاد جريدة إخبارية نقابية أسبوعية تصدر باللغة العربية.

    وقد شهد «اتحاد نقابات الصنايعية وصغار التجار بالقطر التونسي» طوال الفترة الممتدة من 1947 إلى 1955 تحولات بالغة الأهمية وهي كما يقول الأستاذ محمد لطفي الشايبي مؤلف كتاب «منظمة أصحاب الأعمال التونسية» على التوالي: «المؤتمر الثاني (14-15 و16 أفريل 1948) والمؤتمر الثالث (17 ـ 18 و19 سبتمبر 1951) والمؤتمر الرابع 8 ـ 9 ـ و10 أفريل 1955.

    ولئن مثل كل مؤتمر مرحلة في تاريخ المنظمة وتطورها فإن المؤتمرات الأربعة بلورت إستراتيجية واضحة المعالم: الجمع بين الدفاع عن مصالح صغار التجار والصنايعية وتحقيق الوحدة مع الأعراف الكبار لصالح الاقتصاد الوطني من جهة والمساهمة المستمرة في كافة أشكال النضال الوطني من أجل الاستقلال في كنف التعاون مع المنظمات الوطنية الأخرى وتحت إشراف الحزب الحر الدستوري الجديد من جهة أخرى«.

     

    الانخراط في العمل النضالي

    وشن الاتحاد منذ التأسيس بعض الإضرابات للدفاع عن منخرطيه واستطاع انتزاع حق توزيع أصناف عديدة من المواد الأولية الموردة مثل القطن والحرير والصوف والجلود.

    كما نجح الاتحاد الناشئ بسرعة في تقليص نفوذ «جامعة الصنايعية» التي كانت تدعي خطأ أنها الممثل الشرعي الوحيد لصغار التجار والحرفيين.

    واستطاع الاتحاد كذلك الحصول على 80 ٪ من مقاعد الحجرة الأهلية التجارية للشمال والحجرتين المختلطتين للوسط والجنوب في انتخابات 1948.

    يقول الدكتور الهادي التيمومي «وهذا دليل على أن المنظمة نجحت في ظرف وجيز في تأمين التفاف أغلب التجار والحرفيين حولها وهو ما جعل الإدارة الاستعمارية تفكر جيداً قبل اتخاذ أي قرار يهم حياة التجار والحرفيين وقد بلغ بها الأمر إلى منح الاتحاد حصة أسبوعية في الإذاعة.

    وفي سنة 1948 غير الاتحاد اسمه خلال المؤتمر الثاني وأصبح يطلق عليه اسم «الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة» ويعني هذا التغيير «انفتاح المنظمة على كبار التجار التونسيين وقد كان الشعار الذي رفعه الحزب آنذاك هو «الجبهة الوطنية المتحدة» أي حشد أكبر ما يمكن من التونسيين مهما كانت انتماءاتهم ضد الاستعمار لتحقيق الاستقلال السياسي«.

    يقول الدكتور الهادي التيمومي «ولم يقصر الاتحاد نشاطه على الجانب النضالي الدفاعي (مقاومة السوق السوداء وسياسة الإدارة الفرنسية...) بل نشط في اتجاه تكوين تعاونيات الخدمات وتعاونيات الإنتاج مثل شركة الثلج الغذائي سنة 1950«.

    وشارك الاتحاد في التحركات السياسية التي دعا إليها الحزب وقد سجن أو نفي عدد من قادة الاتحاد منهم المناضل الفرجاني بلحاج عمار ومحمود الزرزري ومحمد الأصفر بن جراد واندري باروش ومحمد سعد...

     

    تحولات مؤتمر سنة 1955

    وكان المؤتمر الرابع للاتحاد سنة 1955 والذي احتضنته قاعة البالماريوم بالعاصمة نقلة حاسمة في تاريخ المنظمة حيث أصبحت المطالب أكثر شمولية تجاوزت المشاغل القطاعية لتلتصق بالمطالب الوطنية الشعبية وعلى رأسها مطلب الاستقلال وتقرير المصير، وبذلك تحول هذا المؤتمر إلى أشبه باجتماع حزبي نضالي أكد من جديد على الدور السياسي والوطني الذي بناه الاتحاد.

    وعلى إثر الاستقلال طفت على السطح الخلافات بين الموالين للزعيم الحبيب بورقيبة والموالين للمناضل صالح بن يوسف وكان المرحوم الفرجاني بلحاج عمار قد لعب دوراً حاسماً لتطويق هذا الخلاف الداخلي، إذ أفلح بفضل خبرته النضالية صلب الاتحاد وصلب الحزب الحر الدستوري وإشعاعه في صفوف التجار في تجنيب المنظمة الهزات وتخطي هذا الظرف بحكمة وبعدها دخل الاتحاد أزمة جديدة إبان انتهاج بلادنا لسياسة التعاضد منذ بداية الستينات...

    ويمكن القول أن فترة الستينات اعتبرت «محنة» مر بها الاتحاد ومختلف منظوريه من التجار والصنايعية والحرفيين حيث تفاقمت الأوضاع الاجتماعية بالبلاد وانخفض أداء مختلف القطاعات بسبب فرض سياسة التعاضد حتى بلغت الأوضاع حدتها في نهاية الستينات (1969) والتخلي عن نظام التعاضد بعد الفشل الذريع الذي لاقاه.

    وبعيد هذه السنوات «الكبيسة» عاد الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية الى نشاطه الميداني بعد أن انتهجت الدولة سياسة التحرر الاقتصادي بتولي المناضل المرحوم الهادي نويرة الوزارة الأولى. حيث انبنت السياسة الجديدة على الشراكة بين مختلف المنظمات الوطنية والحوار الاجتماعي بين كافة الأطراف الاجتماعيين وانطلاق أولى المؤسسات التصديرية (قانون 1972) وبروز طفرة بترولية وانتعاشة سياحية. فكان انخراط المنظمة لإنجاح هذه التوجهات بارزاً حيث انتعش الاقتصاد الوطني منذ بداية السبعينات وإرساء ميثاق التقدم الاجتماعي الذي انخرطت فيه كافة الأطراف الاجتماعية.

    وفي الثمانينات وفي ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة ووسط ضبابية سياسية بسبب شيخوخة الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة وبعد تولي زين العابدين بن علي السلطة في 7 نوفمبر (تشرين الثاني) 1987، لم يبق الاتحاد بمعزل عن هذه التحولات خصوصاً بعد أن عبر المناضل المرحوم الفرجاني بلحاج عمار عن عدم قدرته لمواصلة تحمل الرئاسة، وفي 8 أوت (آب) 1988 وطبقاً للفصل الحادي عشر من القانون الأساسي للاتحاد انتخب المكتب بالإجماع السيد الهادي الجيلاني رئيساً للمنظمة.

    ورغم ما عرفته بلادنا خلال هذه الفترة من تضييق على الحريات، فإن الاتحاد ظل وفياً لدوره في خدمة الاقتصاد الوطني، وخدمة أصحاب الأعمال ومنظوريه من التجار وأصحاب المهن، وإصلاح الاقتصاد الوطني وانتقاله من اقتصاد موجه ومحمي إلى اقتصاد تنافسي مفتوح على الخارج، كما شارك الاتحاد في الحوار الاجتماعي بين الأطراف الاجتماعيين وإنجاح جولات للمفاوضات الاجتماعية وتحقيق زيادات منتظمة كل ثلاث سنوات.

    إثر توليه رئاسة المنظمة ركز السيد الهادي الجيلاني على ضرورة النظر في طرق وأساليب تعصيرها مواكبة للتحولات الاقتصادية والتطور السريع للمؤسسات والقطاعات وخلال المؤتمر الوطني الحادي عشر سنة 1990 تم انتخاب السيد الهادي الجيلاني رئيساً للمنظمة وأعيد انتخابه خلال المؤتمرات الثاني عشر (1995) والثالث عشر (2001) والرابع عشر (2006)، وبرزت في فترته تحديات جديدة أهمها انفتاح بلادنا على السوق الأوروبية المشتركة عبر التوقيع على اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي التي أبرمت سنة 1995 وما اقتضته من ضرورة تأهيل النسيج الصناعي الوطني وتطوير الجودة، وتعزيز فرص الشراكة مع هذه الدول..

    وعمل السيد الهادي الجيلاني خلال رئاسته الاتحاد بالخصوص على تعصير المنظمة وتمكينها من الأدوات الضرورية لأداء دورها على أحسن وجه، فضلاً عن تعزيز حضور الاتحاد وإشعاعه على المستوى الدولي حيث شغل السيد الهادي الجيلاني نهاية التسعينات وبداية الألفية الجديدة العديد من المناصب منها بالخصوص رئيس منظمة الأعراف العالمية وكذلك رئيس الاتحاد الإفريقي لأصحاب المؤسسات وعضوية غرفة التجارة والصناعة العالمية وكان عضواً مؤسسا للاتحاد المتوسطي لأصحاب المؤسسات والاتحاد المغاربي لأصحاب المؤسسات .

     

    محطة فارقة في تاريخ الاتحاد

    تفاعل الاتحاد مثل باقي القوى الوطنية مع الثورة التونسية في 14 جانفي 2011 فانبرى مسانداً لمطالب ثورة الحرية والكرامة التي قادتها كل شرائح المجتمع وعلى رأسها الشباب. وما يحسب للمنظمة خلال المرحلة الانتقالية التي أعقبت الثورة ذلك الجهد الذي قام به الاتحاد في ظل تلك الظروف الاستثنائية، حيث حث منظوريه على أداء دورهم الوطني في تأمين احتياجات السوق الوطنية وفتح المحلات والمصانع وتوفير المواد الغذائية والاحتياجات الأساسية بالتوازي مع اضطلاعه بدوره الأساسي في الدفاع عن مصالح أصحاب الأعمال والمؤسسات التي تعرض عدد منها الى عمليات النهب والحرق، فضلاً عن مواصلة المراجعات الداخلية، وتجديد الهياكل والإعداد للمؤتمر الوطني.

    وما يحسب للاتحاد في هذه الفترة نجاحه في القيام بمرحلة انتقالية بصفة سلسة وبكثير من الحكمة والرصانة والمسؤولية. وبعد استقالة السيد الهادي الجيلاني من رئاسة الاتحاد في جانفي 2011 تولى السيد حمادي بن سديرين خطة منسق عام للاتحاد ثم انتخبه المكتب التنفيذي للاتحاد كرئيس من مارس (آذار) إلى ماي (أيار) 2011 حيث انتخبت السيدة وداد بوشماوي من أعضاء المكتب التنفيذي الوطني لترؤس  الاتحاد  إلى حين عقد الاتحاد لمؤتمره الوطني الخامس عشر، في 17 جانفي 2013 الذي مثل حدثاً بارزاً تجسمت خلاله عملية نقد ذاتي انطلقت من خلال حوار داخلي واسع .

    وأفرز المؤتمر بعد عملية انتخابية شفافة مكتباً تنفيذياً ممثلاً للقطاعات والجهات تولت رئاسته لأول مرة في تاريخ المنظمة امرأة ممثلة في السيدة وداد بوشماوي رئيسة الاتحاد، وكرس الاتحاد بهذا المؤتمر توجهاً يقوم على التموقع خارج دائرة التجاذب السياسي. علماً وأن الاتحاد كان قد عقد قبل شهر من ذلك مؤتمراً استثنائياً في ديسمبر 2012، خصص لإقرار نظام أساسي وقانون داخلي جديدين.

     

    نوبل للسلام...

    كما كان للاتحاد دور محوري ضمن المنظمات الراعية للحوار الوطني، وهي المرحلة الحرجة من الانتقال الديمقراطي التي نقلت التونسيين بشهادة كل المراقبين بين سنوات 2011 و2015 من حالة الاحتقان إلى حالة التوافق والحوار في إطار ما عرف بخارطة الطريق، تجربة فريدة لم يكن يتوقع لها أن تحول تونس إلى دائرة الاهتمام الدولي وتتويج الرباعي بجائزة نوبل للسلام لسنة 2015 .

    هذا التتويج الأبرز في هذه المسيرة النضالية للاتحاد من خلال إحراز المنظمات الراعية للحوار الوطني على جائزة نوبل للسلام لسنة 2015 شد أنظار العالم للتجربة التونسية التي مثلت استثناء قي ثورات ما سمي بالربيع العربي، وربما انتقلت اليوم من مرحلة الإشادة إلى مرحلة الدراسة والاقتداء.

    وتعتبر اليوم قيادة الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية وهي تحتفي بهذه المسيرة الطويلة من تاريخ المنظمة أن هذا الانجاز أو التتويج الدولي لا يحجب الرهانات الحقيقية الاقتصادية والاجتماعية في ظل ظرف اقتصادي صعب يستدعي تضافر كل الجهود لتحقيق انتقال اقتصادي يوازي في آثاره ما تحقق من مكاسب سياسية.

     

    الحوار ركيزة العلاقات الشغلية

    وقد عمل الاتحاد خلال السنوات الماضية على إعادة بناء علاقاته مع الاتحاد العام التونسي للشغل  ومع الحكومة  عبر توقيع «العقد الاجتماعي» الذي تجاوز لأول مرة الجوانب الإجرائية حول مجرد التحاور عن الزيادة في الأجور إلى إرساء علاقة حوار حول قضايا تتصل بواقع المؤسسة والإنتاجية، والعلاقات الشغلية، والتكوين وتنافسية المؤسسات.

    وقد بات هذا التواصل بين المنظمتين الطريق الأمثل لإدارة هذه العلاقة عبر الحوار البناء الذي يصب في مصلحة الأُجراء وأصحاب المؤسسات، ويراعي بالأساس التحديات الاقتصادية التي تواجهها المؤسسات.

    كما تواصل جهد الاتحاد من أجل تعزيز الإشعاع الدولي للمنظمة وتوطيد العلاقات مع الهيئات الدولية والمالية ومنظمات أصحاب الأعمال في أفريقيا وآسيا وأوروبا والأمريكيتين قصد التحفيز على الاستثمار في تونس، وكان للاتحاد مشاركة فعالة في منتدى تونس للاستثمار والذي انتظم يومي 28 و29 نوفمبر 2016 والذي كانت حصيلته 34 مليار دينار بين اتفاقيات وعقود وتعهدات.

    ورغم صعوبة الظرف الراهن وتزامن تاريخ نشأة الاتحاد مع احتفال التونسيين بثورتهم فإنه يسعى بكل طاقاته وقطاعاته إلى مواصلة دوره الوطني الريادي، حيث كان الاتحاد من بين الموقعين على وثيقة قرطاج في جويلية (تموز) 2016 والتي انبثقت عنها فيما بعد حكومة الوحدة الوطنية برئاسة يوسف الشاهد رئيس الحكومة الحالي.

    ويواصل الاتحاد معاضدة الاقتصاد مستلهماً من إرثه النضالي الطويل نظرته الاستشرافية من خلال برنامج اقتصادي حتى أفق سنة 2020 باعتباره رافعة اقتصادية مهمة وعنصر توافق وحوار وطني، مدافعاً في نفس الوقت عن مشاغل منظوريه من أصحاب المؤسسات والحرفيين والصناعيين ومسديي الخدمات مشعاً على محيطه الإقليمي والدولي من أجل الترويج لهذه الصورة الجديدة لتونس هذه الديمقراطية الناشئة.