شباط (فبراير) وآذار (مارس) 2022

  • 1 فبراير - 31 مارس 2022

تداعيات الحرب الأوكرانية.. بين احتواء التضخم ودعم التعافي الاقتصادي؟!

وسط استمرار الحرب الروسية -الأوكرانية والتي واجهتها دول الناتو بفرض عقوبات شديدة على روسيا تخطت 5500 عقوبة، شملت أغلب نشاطات موسكو التجارية باستثناء تدفق النفط والغاز لأوروبا، حيث يذهب نحو 70 في المئة من الغاز الروسي المصدر لأوروبا وكذلك نحو 25 في المئة من صادراتها النفطية، حيث تمثل إيراداتهما نحو 42 في المائة من موارد الخزينة الروسية بالإضافة للصادرات الكبيرة من المعادن والسلع الغذائية كالقمح والحبوب عموماً للسوقين الأوروبي والأمريكي، لكن هل الانكماش في اقتصاد روسيا هو الوحيد الذي سينتج عن تلك العقوبات والذي يتوقع أن يصل لنحو 15 في المائة وفق بعض التقديرات الغربية؟

في الحقيقة لن يفلت اقتصاد أوروبا وأمريكا والعالم من تأثير هذه الأزمة، فتجاوز أسعار الطاقة لمستويات قياسية وارتفاع تكاليف الإنتاج عالمياً وكذلك النقل والتأمين ونقص الإمدادات بالسلع عموماً وعلى رأسها الغذائية، كون روسيا وأوكرانيا يصدران نحو 29 في المئة من واردات دول العالم من القمح وبعض الحبوب. وستلعب الأزمة دوراً بتفاقم مشكلة ارتفاع التضخم الذي وصل لمستويات ما كان عليه قبل أربعة عقود، وبدأت البنوك المركزية وعلى رأسها الفيدرالي الأمريكي باتخاذ سياسات متشددة لمواجهة التضخم كرفع أسعار الفائدة والتخلص من برنامج التيسير الكمي والتفكير بمزيد من رفع أسعار الفائدة لما بين 4 إلى 6 مرات هذا العام، بل التلميح لإمكانية رفعها بنصف نقطة أساس والذي لو حدث فسيكون لأول مرة منذ سنوات طويلة. مما يدلل على صعوبة ما يواجه البنوك المركزية للدول الكبرى خصوصاً أمريكا في تخطي تداعيات هذه الأزمة المعقدة خصوصاً أنها تأتي وما زالت تداعيات جائحة كورونا جاثمة على صدر الاقتصاد العالمي، حيث ما زالت مشكلة سلاسل الإمداد قائمة والتي رفعت معدلات التضخم بنسب كبيرة قبل أزمة روسيا مع أوكرانيا.

وقد يكون من غير الممكن ذكر كافة المؤشرات التي بدأت تدل على خطر وقوع ركود تضخمي كون أسعار السلع ترتفع، بينما بدأت تتغير التوقعات بخفض نسب النمو الاقتصادي، فخطر الوقوع في هذا النوع من الركود سيزيد من صعوبة العودة لمعدلات نمو وصل لها العالم مؤخراً، بعد أن أنفق 30 تريليون دولار منذ بدأ جائحة كورونا في 2020.

وإذا نظرنا إلى ما هو أبعد من التداعيات العالمية، لوجدنا أن البلدان التي ستشعر بمزيد من الضغوط هي تلك التي لديها علاقات تجارية وسياحية وانكشافات مالية مباشرة. أما الاقتصادات التي تعتمد على الواردات النفطية فسوف تسجل معدلات عجز أعلى في المالية العامة والتجارة وتشهد ضغوطا تضخمية أكبر، وإن كان ارتفاع الأسعار قد يعود بالنفع على بعض البلدان المصدرة للنفط مثل البلدان في الشرق الأوسط وإفريقيا. 

ومن شأن زيادة حدة ارتفاع أسعار الغذاء والوقود أن تدفع إلى مخاطر أكبر من حدوث قلاقل في بعض المناطق، من إفريقيا جنوب الصحراء وأمريكا اللاتينية إلى القوقاز وآسيا الوسطى، بينما من المرجح زيادة انعدام الأمن الغذائي في بعض أنحاء إفريقيا والشرق الأوسط.

وعلى المدى الأطول، قد تفضي الحرب بتحذير واضح من صندوق النقد الدولي، إلى تبديل النظام الاقتصادي والجغرافي–السياسي العالمي من أساسه إذا حدث تحول في تجارة الطاقة، وأُعيدت تهيئة سلاسل الإمداد، وتجزأت شبكات المدفوعات، وأعادت البلدان التفكير في حيازاتها من عملات الاحتياطي. أما زيادة حدة التوترات الجغرافية–السياسية فهي تهدد بمزيد من مخاطر التجزؤ الاقتصادي ولا سيما على مستوى التجارة والتكنولوجيا.

ويُرجح أن تواجه المنطقة العربية آثارا متوالية فادحة من ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة وضيق الأوضاع المالية العالمية. ومن شأن السياسات الرامية إلى احتواء التضخم، كزيادة الدعم الحكومي، أن تفرض ضغوطا على حسابات المالية العامة الضعيفة بالفعل. وإضافة إلى ذلك، فإن تفاقم الأوضاع المالية الخارجية قد يحفز تدفق رؤوس الأموال إلى الخارج ويضيف إلى التأثيرات المعاكسة على النمو في البلدان ذات مستويات الدين المرتفعة والاحتياجات التمويلية الكبيرة.

باختصار لم تقتصر عواقب الحرب التي شنتها روسيا على أوكرانيا على مجرد اهتزاز الأوضاع بالفعل في هذين البلدين وحسب، لكنها طالت المنطقة العربية والعالم بأسره، كما أنها تشير إلى أهمية ووجود شبكة أمان عالمية ووضع ترتيبات إقليمية لوقاية الاقتصادات من الصدمات. وقد لا تتضح الصورة الكاملة لبعض الآثار لسنوات طويلة، إلا أن هناك بالفعل علامات واضحة على أن الحرب وما أفضت إليه من قفزة في تكاليف السلع الأولية الضرورية، ستزيد من المصاعب التي تواجه صناع السياسات في بعض البلدان لتحقيق التوازن الدقيق بين احتواء التضخم ودعم التعافي الاقتصادي.

 

إحصل على اشتراك سنوي في النشرة الاقتصادية العربية الفصلية

اشترك الآن