اب (اغسطس) 2018

  • 1 - 31 أغسطس 2018

الطاقة المستدامة في البلدان العربية
السبيل الوحيد لضمان النمو الشامل

يثير تحول المنطقة العربية من مورد رئيسي للطاقة إلى الأسواق العالمية إلى سوق طلب متزايدة، وفقاً لتقرير أعدته اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربيب آسيا "الاسكوا"، تحديات كبيرة ولكن في الوقت نفسه يزيد الفرص المتاحة للعقود المقبلة.
والرسالة الأساسية لواضعي السياسات والمجتمعات المدنية على حد سواء هي أن السيناريو الحالي المتمثل في بقاء الأمور على حالها في مجالي الطاقة والإدارة الأوسع للموارد الطبيعية في المنطقة العربية غير قابل للاستمرار في الكثير من الحالات.
السياسة الاستباقية حاسمة الأهمية لضمان قدرة المنطقة على الصمود والاستقرار على المدى البعيد، خصوصاً في ضوء النمو السكاني والاقتصادي، وارتفاع مستويات المعيشة ومحدودية ثروة الموارد الطبيعية الموزعة على نحو غير متساو في المنطقة.
وإزاء هذا الواقع تبرز الحاجة الماسة بالنسبة إلى الدول العربية للولوج إلى الاعتماد بشكل أكبر على الطاقات المستدامة، خصوصا وأنّ الدول العربية البترولية (الإمارات والسعودية تحديداً) تبنّت برامج متعددة لتشييد الطاقات المستدامة، معتمدة على التمويل الحكومي الذاتي.
لكن على الرغم من تبني بعض البلدان العربية برامج متعددة لتشييد الطاقات المستدامة، ما تزال الأهداف تتباين من تشييد الطاقات المستدامة ما بين الدول العربية النفطية وغير النفطية. فقد هدفت الدول النفطية الى تقليص استهلاك الموارد الهيدروكربونية لتكريس أكبر كمية منها للتصدير. وهدف البعض الآخر الى الحفاظ على البيئة أيضاً في الوقت نفسه. وينبع اهتمام المصارف التنموية الإقليمية والدولية بتمويل مشاريع الطاقات المستدامة، من تجربتها في دعم مسيرة التنمية العربية. وبينما تختلف القطاعات الاقتصادية التي تم إيلاء الاهتمام لها خلال الفترة الماضية، فقد حاز كل من قطاع المواصلات والطاقة حيزاً مهماً من اهتماماتها وقروضها ومساعداتها.
وعلى رغم الاهتمام أيضاً بقطاعي التعليم والصحة، فقد أولت المؤسسات التنموية الإقليمية، اهتماماً واسعاً بقطاع الكهرباء، نظراً الى عدم تمكن ملايين السكان من الحصول على الكهرباء، الذي يجعل من الصعوبة لهذا العدد الضخم من المواطنين تحقيق التنمية المستدامة الضرورية للقضاء على الفقر. وقد اهتمت المؤسسات التنموية الدولية، بالمساهمة في تمويل قطاع الكهرباء على الصعيد العالمي، حيث ساهم البنك الدولي في نحو 70 مشروعاً كهربائياً على الصعيد العالمي وفي أكثر من 35 دولة لتسهيل الحصول على الكهرباء، وذلك من خلال المساهمة في أكثر من 5 مليار دولار منذ عام 2010.
تنمية الطاقة المستدامة ليست أولويةً أكثر أهمية لأي بلد عربي دون سواه وليست خياراً بين نمو مرتفع ونمو منخفض. مع نمو السكان وارتفاع مستويات المعيشة يتنامى أيضاً الطلب على الطاقة في جميع أنحاء المنطقة العربية: فإدارة الموارد الطبيعية، كالطاقة وأيضاً المياه والبيئة، هي السبيل الوحيد لضمان النمو الشامل الذي سيوفر للجميع فرصاً اقتصادية في المستقبل. فالتدمير غير العقلاني للثروة الطبيعية اليوم تحت مظلة "بقاء الأمور على حالها" وما يرافقه من نمو سكاني وتوسع اقتصادي لا يشكل في هذا السياق خياراً واقعياً، بغض النظر عن مستوى الدخل أو وضع ثروة موارد الوقود الأحفوري التي يملكها البلد. وقد تكون ربما أقل البلدان العربية نمواً هي التي تجسد أكثر من سواها كيف أن إدارة الموارد الطبيعية المحدودة هي شرط مسبَق وليست عائقاً أمام التقدم الاقتصادي الدائم.
فالتحدي الذي يواجهه صانعو السياسات كبير، شأنه شأن المعضلة التي يواجهها العديد من الاقتصادات العربية في ضرورة سد الفجوة بين المطالب التنافسية لتأمين مستويات معيشية رفيعة ومرتفعة اليوم، وبناء ثروة دائمة تساعد على الحفاظ على مستويات المعيشة هذه وقاعدة مواردها الأساسية في المستقبل. أما المشاكل غير الملموسة، كتلوث الهواء وخطر تغير المناخ على المدى الطويل، فهي مفاهيم جديدة في المنطقة؛ والتحديات المرتبطة بها لا تقل في المنطقة عما هي عليه في نواحٍ أخرى من العالم. فالترابط الوثيق بين الطاقة وسواها من العناصر البالغة الأهمية للتنمية المستدامة الطويلة الأجل، مثل المياه والغذاء والتغير المناخي، تثير الرهانات لناحية تقديم الحلول القادرة على إفادة شعوب المنطقة على المدى القصير مع ضمان استدامة استهلاك وإنتاج الموارد الطبيعية الثمينة للمنطقة لأجيال المستقبل.