حزيران (يونيو) 2018

  • 1 - 30 يونيو 2018

الحرب التجارية العالمية: الرابح والخاسر؟!

هل العالم على شفير حرب تجارية كبرى؟ سؤال صار واقعا حيث يعيش العالم اليوم هاجسا وكابوسا كبيرين بعدما بدأت الولايات المتحدة برئاسة دونالد ترامب تنفيذ مشروع فرض ضريبة بنسبة 25 في المئة على الواردات، الأمر الذي بحسب وكالة "بلومبرغ"، سوف تكون نتائجه كارثية على الاقتصاد العالمي، حيث من المرجّح أن يحدث تراجع مخيف في نمو الاقتصاد العالمي.
أما صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، فبنظرهم فإنّ سياسة الحماية التي فرضها الرئيس الأميركي مضرّة وتهدد الانتعاش العالمي، الأمر الذي من شأنه أن يشكل خطرًا على الدول الكبرى والصغرى معًا، ويؤدي إلى تكرار المآسي التي أعقبت الكساد العظيم والحرب العالمية الثانية عندما أعاق انتشار سياسة الحماية الانتعاش العالمي.
أيضا فإنّ الحرب التجارية التي يقودها ترامب قد تكلّف الاقتصاد العالمي حوالي ٤٧٠ مليار دولار حسب Bloombery Economics مع ما يترتب على ذلك من ردود فعل عالمية وانذار بمزيد من الضرائب والضرائب المضادة، وربما ضربة قاضية على المدى الطويل للناتج المحلي العالمي مع تقليل المنافسة التجارية والتي تحول دون تبادل التكنولوجيا والافكار، وتؤدي فيما تؤديه إلى تقليل الانتاجية والنمو المستدام للاقتصاد العالمي.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن من هو الرابح والخاسر في حرب تجارية بين الصين والولايات المتحدة وأوروبا مع فرضية أن تصبح العديد من الدول متورطة في هذا النزاع؟ في ترددات الحروب التجارية، إنّ أحدا لا يفوز في هكذا حروب ويبقى أثرها على الاقتصادات والقطاعات متفاوتة وقد تكون في بعض الاحيان إيجابية. لكن واقعيا ستكون الاقتصادات الاسيوية الأكثر تأثرًا في هذا النزاع، سيما الصين وكوريا الجنوبية وتايوان وڤيتنام وماليزيا والتي تبيع قطع غيار ومعدات الاتصالات للصين وبدورها ترسلها إلى أميركا. كذلك اليابان التي صدّرت بمقدار ٧٠٠ مليار دولار السنة الماضية وأهم شركائها التجاريين كانوا الولايات المتحدة والصين.
والمهم في الامر أنّ نزعة الحماية التي يتبعها ترامب تستهدف أوروبا أيضا، مع ما يتأتى عنها من أمور قد تكون بالغة الاهمية لاقتصاد المجموعة الاوروبية بما جعل المستثمرين يتساءلون حول ما إذا كان تفاقم التباطؤ الاقتصادي بسبب التوترات التجارية العالمية قد يؤخر في سياسة المركزي الاوروبي وتوقيت خروجه من سياسته التحفيزية التي تهدف إلى تعزيز النمو وتسريع التضخم في منطقة اليورو.
العديد من خبراء التجارة يعتقدون أنّ العجز ليس قيمة خاصة لتقييم ما إذا كانت العلاقات التجارية عادلة. وفي السنوات الاخيرة، اتخذ الاتحاد الاوروبي تدابير حماية لصناعة الصلب، فيما وتاريخ العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي شهدت هكذا مشاحنات.
من البديهي أن يكون لمنظمة التجارة العالمية دور كبير في هذه المبارزة لمنع اتجاه الأمور إلى مزيد من التعقيد، خصوصا بعدما بدأت كافة الأطراف المعنية بالنزاع اتخاذ تدابير حماية من شأنها الضرر بالاقتصاد العالمي، ما يضع العولمة ومنافعها في دائرة الشكوك. فهل ستتغلّب في نهاية المطاف لغة العقل والمنطق، أم أنّ العالم سيتجه نحو مزيد من التصعيد؟
يبقى السؤال الأهم ما هي التداعيات المحتملة للحرب التجارية العالمية على العالم العربي؟ يقودنا الجواب حتما إلى أنّ العالم العربي لن يكون بمنأى عن تداعيات هذه الحرب، والخشية أن تكون التداعيات كارثية، خصوصا في ظل موجات التضخّم المرتفعة التي تجتاح الكثير من بلداننا العربية التي تستورد أكثر من 80 في المئة من احتياجاتها من الخارج.
ومن هذا المنطلق لا بدّ علينا كبلدان عربية أن نتحسّب من النتائج المتوقعة لهذه الحروب واتخاذ الإجراءات المناسبة التي تحدّ من تلك التداعيات وبالتالي الخروج من هذه الأزمة بأقل الخسائر الممكنة، حيث يكفي وطننا العربي أزماته التي يعيشها والتي أثّرت على معدلات النمو وزادت من حجم البطالة وأدت إلى تراجع حجم الاستهلاك المحلّي مما انعكس مزيدا من الركود في الأسواق.