انعكاسات جائحة كورونا على الأمن الغذائي العربي

  • 4 أبريل 2020

ملخص

يمثل هذا البحث دراسة استباقية لانعكاسات جائحة "كوفيد-19" على سلاسل إمداد الغذاء العالمية ومخاطرها المحتملة على الأمن الغذائي العربي. وتتناول التطورات والتوقعات على الاقتصاد العالمي والعربي، والصعوبات والمخاطر التي تتهدد سلاسل إمداد الغذاء، في ضوء ما يحصل على الساحتين الدولية والعربية، وتأثيرها على الأمن الغذائي العربي الذي يرتكز إلى حد كبير على توفر حركة تجارة سلسلة وآمنة لأن جميع الدول العربية هي دول مستوردة صافية للغذاء، كما تتناول الانعكاسات المباشرة والمتوسطة والبعيد الأثر على سبل العيش والصحة الغذائية وفرص العمل، وصولا إلى تحديد مقترحات محددة لتقليص انعكاسات أزمة الجائحة العالمية على الأمن الغذائي العربي.

ومع أنه ليس هناك أزمة غذاء حاليا، ولكن الأمر يعتمد على المدة التي سيستغرقها احتواء الوباء الذي في حال استمرار تصاعد انتشاره بالشكل الحالي يمكن أن يؤدي إلى أزمة كبيرة وغير مسبوقة في الأمن الغذائي العالمي، وبالأخص منها الدول التي تعتبر مستوردة صافية للغذاء، كما حال الدول العربية جميعها. والمشكلة أن عددا من الدول التي تعتبر من كبار المصدرين للمواد الغذائية أخذت تمارس نوعا من الحظر عن تصدير المواد الغذائية الأساسية، مما ولد القلق لدى الدول المستوردة ومنها الدول العربية، خصوصا وأن معظم دول العالم بدأت بالفعل بتكديس مخزونات تفوق الاحتياطي العادي. 

ومن الناحية العملية، يتوقع أن تبدأ الأزمة بالظهور في غضون شهرين من مارس 2020 تبعا للتأثيرات التراكمية لتقطع وتوقف سلاسل الإمداد التجارية. وعلينا ألا ننسى حساسية أسعار الغذاء في الدول العربية والمخاطر المحيطة بارتفاعها، ولا سيما وأنها كان من أهم الأسباب وراء الثورات والاضطرابات التي حدثت منذ مطلع العقد الحالي. وفي حال استمرار انتشار الفيروس، وما ينجم عنه من ارتفاع وتفاقم في عدد المصابين، وتاليا التوسع في تقييد حركة الناس، فإن هناك الكثير من التعقيدات التي قد تحدث والتي ستشكل امتحانا قاسيا على النظم الغذائية والتجارية خلال الأسابيع والأشهر القادمة. 

ويتوقع أن يكون لتداعيات فيروس "كوفيد-19" تأثيرات بالغة وبعيدة الأثر على الاقتصاد العربي، وخصوصا لدى الدول التي لديها ارتفاعا في معدلات البطالة وفي مستويات سوء التغذية، والتي ستشهد تفاقما غير مسبوق في الأوضاع الاجتماعية للسكان. وسيتزايد الضغط على قطاعات الأعمال الخاصة التي تضطر إلى إقفال أعمالها وتسريح الموظفين والعمال. 

ولا شك أن النظام العالمي الحالي يتعرض لاختبار يهز كياناته بقوة، حيث يبدو أن متغيرات كبرى ستلحق بالعالم بعد إسدال الستار عن هذه الأزمة العالمية الكبرى. وربما سيتشكل نظاما عالميا جديدا مختلفا عما قبل "كورونا"، وقد تفضي الأزمة إلى زعزعة ركائز النظام الدولي الراهن ليفسح المجال واسعا لإرساء نظام دولي جديد يرتكز على مراجعة الاختلالات التي كشفتها جائحة "كوفيد-19" ومحاولة تجاوزها بسبل علمية في المستقبل، من حيث أهمية توفير بنيات طبية وغذائية في مستوى المخاطر والتحديات، وأهمية تعزيز بنيات التضامن في الدول وبين البلدان، وحيوية الاستثمار في مجال البحث العلمي الذي يخدم الإنسانية جمعاء باعتبار أن الأمن الحقيقي للشعوب لا يمكن تحقيقه سوى بمقاربته بمفهومه الإنساني الشامل.

والمشكلة هي مشكلة عالمية وتستدعي استجابة عالمية، كما تستدعي وتستوجب تنسيق الجهود العربية على أعلى المستويات. فالتراخي في ذلك يعني المخاطرة بحدوث أزمة غذاء عربية بدأت مؤشراتها تلوح في الأفق، ما لم يتم اتخاذ تدابير سريعة لحماية أكثر الدول والفئات ضعفا، وللحرص على تعزيز الإنتاج المحلي وتعزيز الوصول لسلاسل الإمداد الغذائي العالمي، والأهم من ذلك هو تعزيز التضامن العربي لتخفيف الانعكاسات. وستكون التدابير الاستباقية أمرا حاسما وبالغ الأهمية وتكلفتها أقل بالنظر إلى عدم توفر معلومات عن المدة الزمنية التي ستستغرقها أزمة الوباء العالمي الجديدة، وإلى التوقعات المتزايدة للركود العالمي، وارتباط ذلك بارتفاع مستويات الفقر وسوء التغذية.

+ أضف تعليق

إلزامي

شكراً لك،
سنعاود الاتصال بك لاحقاً

إحصل على اشتراك سنوي في النشرة الاقتصادية العربية الفصلية

اشترك الآن