أيار (مايو) 2021

  • 1 - 31 مايو 2021

أسعار الغذاء العالمية تفاقم عجز الموازنات العربية

 

يدفع العالم ومن ضمنه البلدان العربية، من جديد ثمن السباق المحموم بين الصين من جهة والولايات المتحدة وأوروبا من جهة أخرى، ولكن هذه المرة ربما تكون التكلفة موجعة بالنسبة إلى معظم دول العالم ومن بينها البلدان العربية والبلدان الفقيرة التي تعتمد في أغلب احتياجاتها على الاستيراد، حيث تكاد تشهد الأسواق العالمية نفاداً في السلع الأولية وارتفاعاً حاداً في أسعارها.

وتعمل الصين على تخزين واسع للمواد الأولية للاستمرار في عمليات الإنتاج المحمومة بعد تلاشى تداعيات جائحة فيروس كورونا في ثاني أكبر اقتصاد بالعالم، فيما تشهد الولايات المتحدة ومن ورائها أوروبا نهماً للاستهلاك بعد الخروج من الإغلاق الناجم عن الأزمة الصحية. وبدأت انعكاسات الارتفاع العالمي لأسعار السلع الأولية والأساسية تظهر بشكل أكثر حدة في مختلف الدول العربية وغيرها من الدول النامية والفقيرة، ما دعا الحكومات إلى فرض زيادة كبيرة في أسعار بعض السلع. وفي هذا الإطار أعلنت مصر عن رفع سعر بيع زيت الطعام على البطاقات التموينية بنسبة 23.5 في المئة، عازية السبب إلى ارتفاع أسعار المنتج عالمياً بشكل متتال منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي. كما تشكو الأسواق في الأردن من زيادات حادة في أسعار مختلف المنتجات. وتتصاعد المعاناة في لبنان وتونس، وكذلك المغرب الذي أضحى في موقف حرج إذ كان يخطط لتحرير أسعار العديد من السلع تحت وطأة الغلاء العالمي.

ومن الطبيعي أن يزيد ارتفاع أسعار الغذاء والشحن من عجز الموازنة العامة لكل الدول العربية تقريبا، وإن اختلفت نسبة التأثير من دولة إلى أخرى، حسب الفجوة الغذائية المحلية. ولكن اللافت أن بعض الدول قد اعتمدت أسعارا منخفضة للغاية لبعض السلع الاستراتيجية التي تعتمد على استيراد النسبة الكبرى منها من الخارج.

وتأتي مصر على رأس تلك الدول؛ حيث تستورد أكثر من 50 في المئة من احتياجاتها من القمح، وأكثر من 90 في المئة من الزيوت، ونحو 80 في المئة تقريبا من اللحوم وغيرها، ولكنها اعتمدت سعر قمح منخفضا للغاية هو نحو 195 دولارا فقط للطن في موازنة العام الحالي، وبعد وصول السعر إلى 225 دولارا، تفكّر الدولة الآن في التأمين التحوطي ضد تقلبات الأسعار.

وفي السعودية، يتوقع وصول إجمالي العجز في الموازنات منذ عام 2014 إلى نحو 370 مليار دولار وحتى نهاية العام الحالي. وفي الجزائر التي لم تعرف العجز في موازناتها على مدى عقود سابقة، هناك توجه متزايد إلى الاقتراض الخارجي، بعد عجز وصل في العام الماضي إلى نحو 6 مليارات دولار. ومن المتوقع أن يبلغ في موازنة 2021 نحو 22 مليار دولار، بما يشكل 13.57% من إجمالي الناتج المحلي. ويزداد الأمر سوءا في لبنان الذي يقف على حافة الإفلاس، وتبتعد عنه تونس بخطوة واحدة، تتوقف على تمكّنها من الحصول على قروض جديدة. ولا يبدو الوضع أفضل في الأردن الذي يعيش على الديون وإعادة جدولتها، فقد أعلنت الحكومة الأردنية مشروع موازنتها لعام 2021 بعجز متوقع 2.89 مليار دولار بعد المنح، مقارنة مع 2.96 مليار دولار لسنة 2020. وبالطبع، فإن الحديث حول عجز الموازنة في دول مثل سورية وليبيا والعراق واليمن قد يُعد واهياً في ظل تدمير الجزء الأكبر من بنى الدولة والبنى التحتية والاجتماعية بسبب الحروب، والحاجة إلى أموال طائلة لإعادة ترميم ما أتلفته تلك الحروب.

ووصلت عمليات التخزين التي تقوم بها الشركات العالمية في مختلف القطاعات إلى حد الجنون، ويدفع ذلك الجنون، سلاسل التوريد، إلى حافة الانهيار، مما وصل بنقص الإمدادات، واختناقات النقل، وارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية، لم نشهدها في السنوات القريبة، الأمر الذي يزيد مخاوف انفجار موجة من التضخم قد تضرب الاقتصاد العالمي. 

في المحصّلة فإنّه على الرغم من أنّ الدول العربية تمتلك الإمكانات المادية والبشرية الكافية لتغطية فجواتها الغذائية، إلا أن تراخيها الكبير في تطوير قطاعاتها الإنتاجية، وعلى رأسها القطاع الزراعي، هو ما سبب أزمة عجز الموازنات العامة. واستمرار هذا التراخي والإهمال يعني استمرار الاعتماد على القروض الخارجية لردم فجوة هذه العجوزات.