آذار (مارس) 2021

  • 1 - 31 مارس 2021

آفاق الاقتصاد الأخضر 

في ظل مبادرتي "الشرق الأوسط الأخضر" و "السعودية الخضراء"؟! 

 

مما لا شك فيه أنّ مبادرتي "السعودية الخضراء"، و"الشرق الأوسط الأخضر"، اللتان أعلن عنهما ولي العهد السعودي نائب رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، تمثلان أهمية كبرى في الراهن والواقع المعيش، ليس للمملكة وحدها، بل لمحيطها الإقليمي، والوجود العالمي ككل، لجملة أسباب، من أهمها أزمة المناخ الحادة التي يواجهها العالم اليوم، جراء الاحتباس الحراري الناجم عن الانبعاثات الكربونية، والتي أدت إلى كوارث طبيعية ضربت العالم بلا استثناء من تصحر وجفاف وفيضان، وتغير في الخريطة المناخية، بما يهدد الغطاء النباتي بعامة. إلى جانب وقوع الشرق الأوسط عمومًا في منطقة حزام جغرافي تهدده الصحراء من أطرافه وعمقه، مع فقره للموارد المائية الطبيعية من أنهار، ونسب أمطار قليلة سنويًا.

 

وتكمن أهمية المبادرتان في جعل عملية توسيع القطاع النباتي همًّا رسميًا وشعبيًا بما يشكل "ثورة خضراء"، بما يعني خطوة عملية باتجاه الإصلاح البيئي للعالم. كما من شأن المبادرتين دفع عجلة مكافحة أزمة المناخ، بما من شأنه تقليل انبعاثات الكربون، ومكافحة التلوث وتدهور الأراضي، والحفاظ على الحياة البحرية، من أجل تعزيز الصحة العامة ورفع مستوى جودة الحياة للمواطنين والمقيمين فيها.

 

ونظرا لأهميّة المبادرتين، فقد حظيتا بتأييد خليجي وعربي واسع، وهذا ما يستدعي تعزيز العمل العربي المشترك في المنطقة لمواجهة التحديات البيئية التي تمر بها المنطقة منذ عقود. إلى جانب وضع خارطة طريق إقليمية طموحة وواضحة المعالم للتصدي للتحديات البيئية من كافة النواحي، بما يشمل الطاقة النظيفة والتشجير والمحميات الطبيعية. وكذلك ضرورة العمل على تخفيض كبير في الانبعاثات الكربونية والمحافظة على التنوع الإحيائي وتعزيز الصحة العامة وجودة الحياة. كما لا بدّ من رفع نسبة مساهمة الطاقة النظيفة والمحميات الطبيعية، بما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة في المنطقة ويُعزز من مستوى جودة حياة السكان.

 

ولأنّ العبرة تبقى دائما في الخواتيم السعيدة، فإنّه من أجل تحقيق التطوّر والتحوّل إلى الاقتصاد الأخضر وإلى النشاط والنمو الاقتصادي الذي يهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة من دون إلحاق الضرر بالثروة الطبيعية، هناك بعض الخطوات التي لا بدّ من انتهاجها من أجل لتعزيز هذا التحوّل، وذلك عبر التزامات سياسية رفيعة المستوى لتأمين بيئة مؤاتيه لنمو الاقتصاد الأخضر. فضلا عن تحديث القوانين والسياسات البيئية. ووضع استراتيجيات وطنية بمواعيد محددة لتحديد الاعتبارات البيئية والقطاعات الجاهزة لاعتماد الاقتصاد الأخضر.

 

أيضا لا بد من وضع حوافز مالية ومادية للأنشطة والسياسات الداعمة للبيئة. وتثقيف المستهلكين عن التنمية المستدامة وأهمية المحافظة على البيئة والموارد الطبيعية. ولا مفرّ من إنشاء لجنة إقليمية لتبادل الخبرات وتبادل المعلومات عن الاقتصاد الأخضر. وكذلك تعزيز التعاون بين البلدان في ما يتعلق بتبادل البحوث والخبرات والتمويل والمساعدة التقنية والتكنولوجية.

 

في المحصّلة يحتاج الانتقال من النظام الاقتصادي التقليدي إلى نظام الاقتصاد الأخضر، العمل الشاق لكل الجهات المعنية. كما أن المخرجات الإيجابية لهذا الانتقال المكلف مادياً في بعض الأحيان قد لا تكون فورية على الصعيدين الاقتصادي والبيئي ولكنها مفيدة ومهمة على المدى البعيد. والحكومات هي أهم جهة في تطوير الاقتصاد الأخضر لأنه بإمكانها وضع القوانين والسياسات التي توفّر الظروف والبيئة المواتية لتشجيع العمل في اقتصاد مزدهر وأخضر. ومن أجل ترويج الاقتصاد الأخضر والمشاريع الصديقة للبيئة، يجب أن تزوّد الحكومات البيئة المواتية للمشروعات والاستثمارات الصديقة للبيئة، باعتبار أن أهم الخطوات اللازمة لتطوير البيئة المواتية هي تحديث ومراجعة القوانين البيئية ووضع استراتيجيات وطنية لتنمية قطاعات محددة قابلة للتحوّل إلى الاقتصاد الأخضر. ومن أهم السياسات الداعمة للاقتصاد الأخضر، بحسب "الإسكوا"، فهي: المشتريات العامة، الضرائب المباشرة، حوافز للأنشطة البيئية، نقل التكنولوجيا، إدماج كلفة التلوّث واستخدام الموارد الطبيعية ضمن الكلفة الإجمالية للسلع والخدمات. أمّا بالنسبة للقطاع الخاص، فإن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة هي من أهم أركان الاقتصادات العربية كونها تمثل ما بين 80 و90 في المئة من المشروعات في غالبية اقتصادات الدول العربية، كما أنها توفر جزءاً كبيراً من إجمالي فرص العمل، ولذلك لديها الفرصة لأن تكون الرائدة في مجال الاقتصاد الأخضر.

 

إحصل على اشتراك سنوي في مجلة العمران العربي

اشترك الآن