تشرين الاول (اكتوبر) 2018

  • 1 - 31 أكتوبر 2018

استراتيجية الأمن الغذائي العربي..
الغاية والأهداف

يعيش العالم العربي حالة عجز غذائي تزداد حدة يوما بعد يوم، فحجم الإنتاج من المواد الغذائية لا يكفي لتغطية استهلاكها، وهو ما يستدعي اللجوء إلى الاستيراد لتغطية العجز، وهذا بدوره يشكل خطرا كبيرا على اقتصادات هذه البلدان حيث يعمل على إضعاف أرصدتها من العملة الصعبة ويفاقم مديونيتها ومن ثَم تبعيتها الاقتصادية والسياسية وحتى الثقافية.
وانطلاقا من هذا الواقع الذي يشهده العالم العربي، لا بدّ من القول إنّ أي استراتيجية تنموية لتحقيق الأمن الغذائي في الوطن العربي لا بدّ وأن تتخذ من التنمية الزراعية المستدامة غاية لها. وتحديد هذه الغاية ينطلق من معرفة الأسباب الكامنة وراء مشكلة الأمن الغذائي العربي والرغبة في إيجاد حل جذري ودائم لها. ولا شكّ أنّ الارتفاع المتزايد لعدد السكان، ومحدودية الموارد الطبيعية الزراعية وسوء استخدامها، إلى جانب ضعف الإنتاجية الزراعية، كلها عوامل فاقمت من مشكلة الغذاء في الوطن العربي وزادت من الفجوة الغذائية والتبعية الاقتصادية للبلدان العربية، وهو ما جعل الخيار الاستراتيجي للخروج من المأزق يستوجب تحقيق تنمية زراعية مستدامة.
وفي هذا الإطار، تشير الإحصائيات إلى تضاعف عدد سكان الوطن العربي في فترة تقل عن ربع قرن، فقد ارتفع عدد السكان بمعدل زيادة كبير بلغ حدود 97 في المئة، وهو ما يشكل ضعف معدل الزيادة في العالم. ومن المتوقع أن يتضاعف العدد مرة أخرى ليصل إلى 480 مليون نسمة بحلول عام 2030.
ولقد ولّد هذا الانفجار الديمغرافي ضغطا متزايدا على النشاط الاقتصادي، فأصبح بموجبه غرض الإنتاج الغذائي عاجزا عن تلبية الطلب المتزايد على المواد الغذائية. أضف إلى ذلك أن تزايد السكان وما يتطلبه من مجالات طبيعية للسكن ولبقية مرافق الحياة الأخرى ينمّي محدودية الموارد الطبيعية، وهو ما يزيد من تفاقم العجز عن توفير الغذاء. فالمساحة الصالحة للاستغلال الزراعي في الوطن العربي تقدر بحوالي 197 مليون هكتار بما يشكل نسبة 14.1 % من المساحة الكلية للدول العربية البالغة 1402 مليون هكتار.
وتمثل النسبة المزروعة من الأراضي الصالحة للزراعة حوالي 47 في المئة، كما أن محدودية وسوء استغلال الموارد المائية يجعلها عاجزة عن مواكبة الطلب المتنامي لسد احتياجات السكان من الماء، فإجمالي الموارد المائية في الوطن العربي يقدر بحوالي 353 مليار متر مكعب لا يستخدم إلا نصفها فقط لمختلف الأنشطة والأغراض الفلاحية والصناعية والبشرية.
من جهة أخرى فإن ضعف المستوى التقني للعمالة الزراعية وعدم التحكم في التكنولوجيا الزراعية، يعد من العوامل التي حدّت من فعالية القطاع الزراعي في مواجهة العجز الغذائي في الوطن العربي.
في ضوء ما سبق يمكن القول إن الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية والبشرية والمالية لزيادة الإنتاجية في الزراعة يمثل المدخل الأساسي لتطوير القطاع الزراعي العربي وتحقيق وضع أفضل للأمن الغذائي العربي. ويتطلب تحقيق ذلك تعزيز القدرة العربية عن طريق التكامل والتنسيق بين السياسات التنموية في البلدان العربية خاصة في الميدان الزراعي، وعبر تعزيز التعاون والتنسيق بين مؤسسات البحوث الزراعية وتوظيفها لصالح التنمية الزراعية العربية.
ومن هنا فإن غاية استراتيجية الأمن الغذائي في الوطن العربي يمكن إجمالها في تعزيز جهود تحديث الزراعة العربية وتنمية قدرتها الإنتاجية والتنافسية، وتنمية وصيانة الموارد الطبيعية والمحافظة على البيئة بما يكفل تحقيق أهداف الجيل الحالي والأجيال القادمة في إطار متكامل يحقق مصالح جميع الدول العربية، وهذا ما يمكن التعبير عنه بتحقيق التنمية الزراعية المستدامة.

محمد عبده سعيد
رئيس مجلس الإدارة

إحصل على اشتراك سنوي في مجلة العمران العربي

اشترك الآن