تموز (يوليو) 2018

  • 1 - 31 يوليو 2018

اقتصاد الظل وتأثيره على البلدان العربية؟!

وسط حمأة الحرب التجارية العالمية المستعرة، بين الولايات المتحدة الأميركية وكل من البلدان الأوروبية وجمهورية الصين الشعبية، هناك واقع يعيشه الاقتصاد العربي في ظل تنامي ظاهرة "اقتصاد الظل" الذي باتت تأثيراته كبيرة على البلدان العربية.
آخر الدراسات التي أعدّها صندوق النقد الدولي، أشارت الى أن حجم اقتصاد الظل الى الناتج المحلي الإجمالي الأردني ١٤،٣٨ في المئة، بينما بلغ معدل اقتصاد الظل من السنوات (١٩٩١ - ٢٠١٥) ١٧،٣٨ في المئة، وبالتالي فإن الاقتصاد غير الرسمي في الأردن تراوح ما بين ١٣،٤٤ في المئة بمستواه الأدنى، وحدّه الأعلى ٢١،١٢ في المئة، في السنوات العشرين موضع الدراسة، وأثر اللجوء على الأردن ولبنان وتركيا لم يظهر في نتائجها كون المنهجية التي اعتمدتها لم تقس هذا الأثر، ما يعني أن حجم الاقتصاد غير الرسمي قد يكون أكبر مما ظهر في الدراسة.
وعلى مستوى الدول العربية، أظهرت ورقة العمل التي شملت ١٥٨ دولة حول العالم، أن معدل اقتصاد الظل في قطر بلغ ١٥،٩٣ في المئة من الناتج في السنوات من ١٩٩١ الى ٢٠١٥ ، وفي السعودية ١٦،٥٦ في المئة، وسوريا ١٩،٥٨ في المئة، بينما ارتفع في مصر الى ٣٤،٢٤ في المئة، والمغرب ٣٤،١ في المئة، ولبنان ٣١،٥٨ في المئة، والجزائر ٣٠،٨٦ في المئة، بينما بلغ في الإمارات العربية المتحدة ٢٦،٥٤ في المئة.
على المستوى العالمي، بلغ المعدل ٣١،٩ في المئة، وجاءت سويسرا أقل الدول في حجم اقتصاد الظل كنسبة الى الناتج المحلي الإجمالي، والتي بلغت ٧،٢ في المئة، تبعتها النمسا ٨،٩ في المئة، فيما كانت أعلى الدول بوليفيا بنسبة ٦٢،٣ في المئة، وزيمبابوي ٦٠،٦ في المئة.
تدلّ تلك المؤشرات على انخفاض معدل اقتصاد الظل وقدرة الدولة على تنظيم النشاطات الاقتصادية والرقابة عليها والتقليل من التهرب الضريبي، وبالتالي القدرة على تقدير حجم الناتج بدقة أكبر كونه أهم أداة لقياس النشاطات الاقتصادية.
استنادا إلى تلك الأرقام، ينبغي القول إنّ هناك جانبان مهمان لفهم ظاهرة "اقتصاد الظل"، الأول يتعلق بصعوبة تأمين فرص عمل جديدة للشباب العربي، وبالتالي تحسين بيئة الأعمال وتقديم حوافز للشباب العاطلين عن العمل، وفي الجانب الثاني، يعني انتشار الظاهرة أن وجود أعداد هائلة من العاملين الذين لا تشملهم أية تأمينات صحية أو ضمانات اجتماعية يجعل هذه المجموعات عاملة لكنها هشة وعرضة للخطر في الوقت ذاته، وهذا له تداعيات سلبية على المجتمع. والعمل غير الرسمي عبارة عن صيغة موقتة لكنها قد تتطور وتبقي أعداداً كبيرة من المواطنين على هامش الدورة الاقتصادية فلا تشملهم السياسات العامة.
ويزيد غياب التنظيم أيضاً متاعب العاملين في هذا القطاع حيث تشتد المنافسة، ولا توجد بدائل، ويرتفع العدد، ما يفاقم الأمور ويشير إلى أن اتساع الظاهرة يخفف الضغط مرحلياً على الحكومات قبل أن ينفجر القطاع ويعود إلى الدولة لمطالبتها بتحسين ظروف العمل. وهذا يحتم شمول القطاع غير الرسمي من ضمن سياسات الحكومات التي تعرف انتشاراً كبيراً لهذه الظاهرة.
في المقابل، ينبغي القول إنّ اقتصاد الظل يشمل نشاطات اقتصادية مشروعة ونظيفة لا تتعارض مع الأعراف والمبادئ والقيم والعادات الموروثة، مثل الأعمال المنزلية كافة التي يقوم بها أفراد الأسرة الواحدة، مثل طهي الطعام وتنظيف الملابس وتنظيف المنزل والعناية بالحدائق المنزلية وأعمال الصيانة الخفيفة للمنزل.
كذلك، أثبتت الدراسات أن معدلات نمو اقتصاد أعلى في الدول النامية منها في الدول المتقدمة، لأسباب عدة منها الأنظمة الضريبية غير العادلة والأنظمة السياسية غير العادلة، وارتفاع نسبة مساهمة الأفراد في الضمان والتأمينات الاجتماعية، ومعاشات التقاعد، قد تدفع معظمهم الى البحث عن وظائف أخرى خفية أو غير رسمية، إضافة الى مستويات الأجور المادية والمعنوية، والتي لا تتناسب مع مستوى المعيشة، وكلما ازداد معدل اقتصاد الظل على حساب الاقتصاد الفعلي الظاهر، كلما أعطى معلومات وإحصائيات مضللة وغير دقيقة عن الإمكانات الاقتصادية الحقيقية للمجتمع، وأدى الى سوء تخصيص الموارد الاقتصادية وسوء توزيع الناتج المحلي وسوء إعادة توزيعه.