تقييم الوضع الاقتصادي وبعض التوصيّات في ظلّ أزمة فيروس كورونا العالميّة (COVID-19)

  • فيينا، النمسا
  • 9 أبريل 2020
2

إنّ جائحة كورونا التي يشهدها العالم اليوم قد بدأت برمي ثقلها على الاقتصاد العالمي، متسبّبةً بذلك بأزمةٍ اقتصاديّة دوليّةٍ. فبدلاً من نسب النمو التي كان من المتوقّع في بداية العام 2020 أن تبلغ 2,5 % وفقاً لمصادر منظّمة الأمم المتّحدة، أظهرت التنبّؤات المُحَدّثة مطلع شهر نيسان/أبريل الجاري تراجعاً وانكماشاً ملحوظَين في الاقتصاد العالمي بما يقارب 0,9%. كذلك تظهر مؤشّرات البورصة العالميّة خسائر فادحةً. وتشير الاستطلاعات الحاليّة إلى انكماش محتملٍ في النمسا قد تصل نسبته إلى 0,3%، غير أنّ النمسا تبقى ضمن الدول الأقلّ تضرّراً في أوروبا على الصعيد الاقتصادي.

وينتشر هذا الفيروس بسرعةٍ قصوى في معظم أنحاء العالم، تاركاً القليل جدّاً من الأماكن التّي لم يفتك بها بعد. وفي حين كانت الصّين أّوّل بلدٍ ظهر وانتشر فيه الفيروس في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر 2020، أصبحت كل من أوروبّا والولايات المتّحدة الأميركيّة حاليّاً البؤر لهذا الوباء، بحيث تسجّل الولايات المتّحدة الأميركيّة أعلى ارتفاعٍ في حالات الإصابة ومعدّل الوفيّات. أمّا بالنّسبة للكثير من البلدان النامية، فيظهر أنّ الجائحة ما تزال في بدايتها.

هذا وقد قامت العديد من البلدان والحكومات بالتحرّك بسرعةٍ وباتّخاذ تدابير صارمةٍ لحماية مواطنيها والمقيمين فيها ولاحتواء هذا الوباء الفتّاك على أراضيها وكذلك خارجها. وفي ضوء هذه الأزمة العالميّة، يبدو أنّ المصالح الوطنيّة تعلو فوق المصالح المشتركة للحلفاء والشركاء، خاصّة أنّ الإقفال الذي أقرّته الدول على الصعيد المحلّي يؤدّي إلى انخفاض الانتاج والعجلة الاقتصاديّة، ممّا يؤثّر على شتّى جوانب الحياة. وفي حين يستمرّ ازدياد الطلب على المعدّات الطّبّيّة، ينخفض استهلاك الطاقة غيرها من الموارد بشكلٍ ملحوظ. أمّا الطلب على الأطعمة والتوريدات الأساسيّة فهو مستقرّ.

إنّ التدابير الوقائيّة المفروضة بسبب فيروس كورونا قد أثّرت بشكلٍ كبيرٍ على المؤسسات والشركات، إذ أدّت إلى تقديم أعدادٍ هائلةٍ من طلبات الدعم المادّي والإعانات من الحكومات المحلّيّة، بالإضافة إلى تزايد الطلب على الاستشارات والارشادات القانونيّة. وتشهد الكثير من الصّناعات انخفاضاً حادّاً في الانتاج بسبب الأزمة الراهنة والتالي تضطرّ للّجوء إلى صناعة منتجات جديدةٍ بديلةٍ كالمعدّات واللّوازم الطبّيّة وغيرها من المنتجات التي يكثر عليها الطلب حاليّاً.

وعلى الرغم من التداعيات السلبيّة المتعدّدة الأصعدة لإغلاق بسبب الوباء، يصبّ الانخفاض العالمي لاستهلاك الطاقة في مصلحة المناخ والبيئة، إذ انخفضت انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون في الجو بشكلٍ غير مسبوق نتيجةً لإجراءات الإقفال. إلّا أنّ استئناف الأنشطة الاقتصاديّة سيؤدّي مجدّداً إلى ارتفاع نسبة هذه الانبعاثات، كما يظهر مثلاً من خلال بيانات الساتل للصّين.

 

توصيات غرفة التجارة العربيّة النمساويّة:

في ظلّ التداعيات العالميّة الاقليميّة لهذا الوباء، تحثّ الغرفة على الإجراءات الإضافيّة الأساسيّة التالية، بغية تمكين الاقتصاد والصناعة المحلّيّة من التعافي والتغلّب على الجائحة في مرحلتها الأخيرة وأيضاً فيما بعد:

تنفيذ خطوط إنتاج محلّيّة لمنتجات أساسيّة كالأطعمة اللوازم الطبّيّة والصيدلانيّة من قبل شركات وطنيّة عريقة بدعمٍ مادّيٍّ من الحكومة، وذلك لضمان توفّر هذه المنتجات عند الطلب واستقلال الموردين الخارجيّين.

إنشاء أدوات رقميّة عبر الانترنت، كمنصّة لتبادل الأعمال والأنشطة التجاريّة والاقتصاديّة، بهدف إنشاء بورصةٍ رقميّةٍ للمنتجات وتسويق المؤسّسات والمنتجات المحلّيّة ودعمها.

تمكين المؤسّسات والشركات المحلّيّة من التعرّف على شركاء عمل على الصعيدّين الوطني والعالمي في ظل الظروف الحالية التي تفرض شراكات جديدة، من خلال مؤسّسات أو مراكز معتَمدة ومعترف بها كغرف التجارة وغيرها؛

تنسيق الجهود المتعلّقة بالسياسات الاقتصاديّة الصحيّة على الصعيدَين الوطني والدولي بغية تحسين مستوى الجهوزيّة تحسّباً لانتشار فيروس كوفيد-19 مجدّداً أو ظهور أي وباء آخر في المستقبل؛

إعادة النظر في المبادئ القانونيّة للقواعد العامّة لحماية البيانات وتخفيفها بحيث يُسمَح للمؤسّسات والمراكز المعتَمدة والمعترف بها بتبادل البيانات المهنيّة وتداولها بشكلٍ أسهل وبالتالي تعزيز الأنشطة الاقتصادية وإنعاشها.

إنّ الاقتصاد العالمي سيشهد حتماً تغيّرات هائلة، أبرزها تقدّم معظم الدول الآسيويّة اقتصاديّاً إذ كانت الأولى لجهة محاربة هذا الوباء واحتواءه بعد تفشّيه. وكما ذُكِر في تقريرنا السابق، فإنّ الدول الأوروبّيّة ستحتاج إلى المزيد من الوقت للتّعافي نظراً لنظام الرعاية والهيكليّات التّي تمّ تنفيذها لدعم اقتصادها وسكّانها. ومع ذلك، لا يمكن استبعاد فرضيّة انتشار الوباء من جديد، الأمر الذي سيحتّم ضرورة إعادة تقييم الوضع الاقتصادي برمّته والتوصيات ذات الصلة.

 المصدر: غرفة التجارة العربية النمساوية